إسرائيل واستباق الانتصار السوري
| بيروت – محمد عبيد
طرفان إقليميان يحاولان استباق تداعيات اكتمال الانتصار الإستراتيجي لمحور المقاومة: الكيان الإسرائيلي والسعودية.
فالكيان الإسرائيلي الذي كان يأمل أن تسقط سورية بين أيدي ميليشيات إرهابية ترعاها بعض أنظمة المنطقة كالسعودية وقطر وتركيا، والذي كان يسعى عملياً للانتهاء من آخر الجيوش العربية العقائدية، ألا وهو الجيش العربي السوري، من خلال دعم هذه الميليشيات في عدوانها على هذا الجيش لاستنزاف قدراته، والذي كان يستميت لعزل سورية عن إيران ومحاصرة المقاومة في لبنان وفلسطين وتقسيم المنطقة العربية إلى كانتونات مذهبية وعرقية، وجد هذا الكيان نفسه أمام هزيمة مدوية لمشاريعه هذه، بعدما تمكنت سورية وحلفاؤها من إسقاط الأهداف الموضوعة بالتكافل والتضامن والتعاون بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية ومعهما الأنظمة المذكورة آنفاً، وفق أجندة لتوزيع الأدوار والمهمات، ووجد في الوقت ذاته أن تضارب المصالح بين رعاة الإرهاب هؤلاء وهو منهم، أدى إلى تشتيت قوى هؤلاء الرعاة وقدراتهم، ما سَهّل إمكانية الانتصار عليهم وعلى أدواتهم الإرهابية.
كيان العدو وبعد تبدل التوازنات مع دخول الشريك الروسي سماء وأرض المعركة ضد الإرهاب في سورية، سعى إلى الحصول على ضمانات ولو شفهية من القيادة الروسية تطمئنه على مستقبل وجوده في هضبة الجولان المحتلة، كذلك إلى التزام القيادة السورية بقواعد الاشتباك التي كانت تحكم الأوضاع على الحدود السورية مع مناطق الاحتلال الإسرائيلي في سورية وفلسطين، إلا أن الزيارات الست التي قام بها رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال السنتين الماضيتين إلى موسكو وسوتشي ولقاءاته مع القيادة الروسية لم تمنحه هذا الاطمئنان، بل إنها زادت خوفه وهواجسه بعدما لمس وتأكد أن القرار السوري حول هذا الشأن كما هو حاله مع الشؤون الوطنية كافة، قرار حرٌ ومستقل، وبالتالي انتقل نتنياهو وقادته العسكريون والأمنيون إلى الخيار الأصعب والأكثر كلفة وخطورة وهو انتقاء أهداف لمواقع عسكرية إستراتيجية للجيش العربي السوري كما لحلفائه في المقاومة، وضربها في محاولة لعرقلة أو تأخير استكمال إنجاز البنية التحتية لتحصين سورية ومعها المقاومة في مواجهة أي عدوان إسرائيلي واسع قد يطولهما وخصوصاً بعد سقوط واجهة هذا العدوان، المجموعات الإرهابية.
يظن قادة العدو أن تكثيف غاراته على مواقع الجيش والمقاومة في سورية قد يفضي إلى أمرين: الأول، لفت أنظار العالم وخاصة الدول المعنية بالاستقرار على الجبهتين السورية واللبنانية مع كيان العدو المحتل، إلى تنامي خطر اندلاع حرب جدية، ما يستوجب تدخلها السياسي واستغلال هذا التدخل لفرض قواعد اشتباك جديدة أو على الأقل تكريس ربط نزاع مؤقت يخفف من قلق كيان العدو بانتظار نضوج الحل الكامل في سورية وتَبَيُّن انعكاساته على الكيان الإسرائيلي. والثاني: اختبار دقة المعلومات المتداولة حول منظومة التسليح الصاروخية النوعية التي بات يمتلكها الجيش العربي السورية والمقاومة على الأراضي السورية، والتي في حال ثبوت صحتها ستفرض نمطاً جديداً من التوازنات الإستراتيجية مغايرة لتلك التي حاول الحفاظ عليها على مدى أكثر من أربعة عقود.
يعلم قادة العدو ويلمسون أن محاولاتهم هذه باءت بالفشل الذريع، فلا المعنية من دول العالم تحركت بما يحقق الأهداف الإسرائيلية المتوخاة، ولا نجحت اعتداءاتهم وغاراتهم في تبيان قدرات الجيش العربي السوري والمقاومة اللذان يلاعبانه بحنكة ويتحكمان بإدارة المواجهة وفق أولوياتهما بحيث لا يعطيانه فرصة التبجح بتحقيق أي انتصار أو حتى إنجاز عسكري محدود يؤمن له التفوق الدائم كما يتمنى.
إذاً فشل قادة كيان العدو الإسرائيلي في تحقيق مبتغاهم على الجبهة السورية، وهي جبهة مركزية على المستوى القومي العربي في مسار الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وبالتالي فإن استعادة سورية لدورها الإقليمي بعد نجاحها في تجاوز معمودية الحرب والنار الحالية، وكذلك انتقالها إلى لعب دورها الريادي المنتظر على المستوى العربي باعتبارها الدولة العربية الوحيدة المتبقية التي كانت وما زالت تحمل هم تحرير فلسطين وتعتبر ذلك أساساً من أسس وجودها وحاضرها ومستقبلها، سيؤدي إلى عرقلة أي مشاريع تطبيع أو تغييرات جذرية في مسار الصراع المذكور.
لذا واستباقاً لذلك كله عمدت إسرائيل إلى الإسراع في التحرك لإنجاز هدفين: الأول، الضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنقل سفارة كيان العدو إلى القدس مستغلة ضعفه وانغماسه في مشكلات داخلية عميقة وخوفه من أن تؤدي هذه المشكلات إلى إزاحته. والثاني، استدراج بعض أنظمة دول الخليج للانتقال معها من حالة التطبيع الضمني إلى الانفتاح العلني بل الشراكة الإقليمية لمواجهة ما يسمونه معاً الخطر الإيراني وامتداداته المتمثلة بدول وقوى المقاومة، وهو هدف يلعب النظام السعودي دوراً مركزياً لتحقيقه.
ربما لن يتمكن الكيان الإسرائيلي من تحقيق أهدافه جميعها، لكنه بالتأكيد لم يعد وحيداً في سعيه لتقسيم العالم العربي وشرذمته بعد استماتة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للوصول إلى كرسي المُلك بأي ثمن!