ثقافة وفن

أعطاني الفن لأنني أوليته حقه اللازم … علي الكفري لـ«الوطن»: لست كاميرا فوتوغرافية فأنا فنان أرسم ما أشعر به

| سوسن صيداوي

ملتزم بقضايا الوطن، معنيّ بالحالة الثقافية، مخلص للتراث. لفنه رسالة فيها تأكيد على الثوابت، والتمسك بها رغم ما مرّ على الوطن العربي وفلسطين وسورية من عدوان، وما خلّفه الأخير من دمار حضاري وفكري ومعماري. إنه الفنان التشكيلي علي الكفري الذي عانق بفنه وطنه فلسطين، نابضاً بقلبه حب سورية، وهو اليوم مستمر بعطائه الفني الزخم رغم التقدم بالعمر وما يحمله من تعب جسدي في تعاطي الرسم، مقدما برعاية وزارة الثقافة معرضه الذي تم افتتاحه في غاليري جورج كامل في العاصمة دمشق، محتويا على خمس وعشرين لوحة تم عرضها من أصل إحدى وثلاثين، استغرقت من الفنان جهدا دام ثلاثة أعوام من عام 2011 وحتى عام 2014، كلّ الأعمال تتحدث في قسم منها عن الثوابت، الأرض والوطن والمرأة الأصيلة، وفي القسم الآخر تتحدث عن العمارة والترث الفلسطيني. تجدر الإشارة إلى أن الكفري من مواليد 1948، وكان تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة عام 1973، وعمل لوحات جدارية في معظم محافظات سورية، كما عمل دراسة على أكثر من 30 ألف لوحة لرسوم الأطفال، هذا إضافة إلى عمله في التلفزيون العربي السوري في تقديم برنامج عن فنون الأطفال، وفي الصحافة كرسام للأطفال، وأيضاً كمدرس للفنون الجميلة في وزارة التربية، ومدير تحرير مجلة الطليعي للأطفال. ويستمر المعرض لغاية 14 كانون الأول.
لست كاميرا فوتوغرافية

تحدث الفنان الكفري عن تجربته الجديدة، مشيراً إلى أهمية التراث وكيف بادله الأخير العطاء مساهماً فعالاً في شهرته في الأوساط العربية، متابعاً في الحديث حول تفاصيل أعمال المعرض «أمضيت عشر سنوات ولم أرسم امرأة أو إنساناً، لسبب أنني كنت مهتما بموضوع التراث، التراث العربي والإسلامي، وانتشر فني ليس فقط في سورية وفلسطين بل أيضاً في العالم الإسلامي. كنت رسمت 1200 لوحة لم يبق لدي منها إلا نحو خمسين لوحة. هذا الفن اشتهرت به لأنني أوليته حقه اللازم، وخلال المعرض تفاجأ الحضور والزائرون بالموضوعات، بأنني أعرض المرأة والعمارة، فأنا طرحت موضوع ثقافة الحضارة الإسلامية والمرأة لأنه موضوع أعتبره حساساً، وطريقتي برسم المرأة مختلفة عما قدمه غيري، وطبعاً كل منا لنا له أسلوبه الخاص، وأنا أدقق بالتفاصيل، وعندما أرسمها يجب أن أكون مرتاحاً من حيث اللون والتشريح، ولكنني ألجأ في النهاية إلى التبسيط، فأنا لست كاميرا فوتوغرافية، فأنا فنان أرسم ما أشعر به، وفي هذا المعرض لجأت إلى فن العمارة الإسلامية التي تحاول إسرائيل تدميرها، ولوحاتي من أجل توثيق هذا الفن الجميل. اعتمدت في اللوحات على الإكرليك في اللون الأبيض كلون أكثر من غيره من الألوان، إلى جانب الألوان الأخرى من الأزرق والأخضر والبرتقالي، ويجد المشاهد أن في اللوحة نحو أربعين إلى خمسين لوناً، ولكن لا يوجد لون يطغى على اللون الآخر، وهذه هي جمالية الفن، واللوحات ثلاثة قياسات ولكن العرض فيها موحد في كلّها موحد، وبالطبع طريقة العرض في صالة غاليري تخدم الفنان وتظهر الأعمال».

غزارة بالفن التشكيلي
بدوره اعتبر د. إحسان العر أن للفنان الكفري خصوصية في اختيار أعماله سواء من خلال اللون أم التأليف أو التكوين، مضيفاً: إن في الأعمال نقلة مميزة من خلال التشخيصات الأنثوية والأبنية المعمارية، متحدثاً «استطاع الفنان علي الكفري أن يصنع هوية خاصة به من خلال أعماله، والأمر الجميل في المعرض أنه قدم لنا تجربة جديدة، وعلى صعيد شخصي أنا استمتعت كثيراً بمشاهدة اللوحات، التي تحتوي على تأليفات معمارية أكثر من اللوحات التي فيها تأليفات التشخيص، فبتلك اللوحات انسجام بين اللون مع التركيب العضوي للوحة وتركيب البناء التشكيلي للوحة، فهناك تماهٍ قوي جداً. هذا الفنان يسعى إلى وحدة عدة أعمال في عمل واحد هو المرأة والتقطيعات الهندسية. تجربته تحترم لما يملكه من غزارة بالفن التشكيلي وخاصة بما تحاول أن تضيف للفنان، أما بالنسبة للألوان فلقد تم اختيارها متناغمة بشكل كبير مع اللباس الفلسطيني، فلقد أخذ الألوان من التراث الفلسطيني وحاول أن يوظفها في موضوعه».

نموذج الخليط بعناية خاصة
تحدث الفنان أكسم طلاع عن تجربة الكفري مشيداً بعطاءاته، شارحاً بعناية خاصة طبيعة الأعمال المعروضة، قائلاً: الفنان الكفري تجربته طويلة، فلأكثر من ثلاثين عاماً يعمل بالفن التشكيلي، مروراً بمنظمة الطلائع ورسوم الأطفال، ولوحات جدارية في المهرجانات السنوية، ثم بعدها دخل في فن العالم التشكيلي واللوحة التشكيلية. هو فنان فلسطيني، ومعروف بأنه فنان ملتزم بقضايا شعبه الفلسطيني، والجانب الشعبي والهوية، فعنده عناية كاملة من ناحية التراث والمطرزات ولوحة الخط العربي، وأعمال المنزل والمرأة والجرة، والقدس، والعمارة الشرقية-هذا علي الكفري- ولكن هناك جانب فيه بأنه فنان خليط، فهو نموذج الخليط من منابعه الثقافية، لأنه قادر بما اكتسب أن يكون شخصاً متجاوزاً، بغض النظر عن العمر، فالفكرة بأن يحمل الفنان تجاوزاً، وأن تكون الفكرة جديدة وفيها قيمة، ونحن هنا تهمنا حرارة الفن، وبأن يقدّر الفنان روح الفن الذي يعيش فيه. فناننا يصور مجموعة تقانات في لوحته، ففيها الحفر والغرافيك، وهناك أعمال مصدرها بأنها ذات طبيعة تجريدية من ناحية الخيط الرفيع، والمعلقات، والدوائر الصغيرة والمربعات، فهذه كلّها تثري اللوحة، ومن ثم تكون لوحته موفقة، لأن في النهاية العمل الفني فكرة وتقنية وخبرة، والخبرة بأن تقدم السهل الممتع. إذاً الأعمال كاملة بحدود، أما إذا كانت مفتوحة فستميل إلى الزخرف وإلى الأمور التزيينية، ولكن في أعمال الفنان نجد بأنها تميل إلى التزيين الذي يمتّع العين، والزخرفة الحاضرة هي زخرفة خاصة بالكفري، فهو يخرج من التطبيقية أو الوصفية للزخرفة، هذا إلى جانب التوليف بالزخرف، إذاً عمله مزركش وفيه عناية خاصة».

لوحات لامست الشرق الخاص بنا
من جانبه عبر الفنان التشكيلي موفق مخول عن سعادته لما شاهد في المعرض، مشيراً إلى غزارة إنتاج الفنان وقدرته على الكبيرة على العطاء، «أنا أشكر الفنان الكفري لما قدمه لنا في المعرض، فلقد أضاف لنا تجربة جديدة تضاف إلى فنه وخبرته التشكيلية الطويلة، وأشكره لما قدمه لنا وخاصة أن إنتاجه كثيف جداً مقارنة بعمره، والأمر يدل على مدى اجتهاده وعلى عطائه الكبيرين. في لوحاته العديد من العناصر، فيها الإنسان والعمارة والزخرفة التعبيرية، لوحاته لامست الشرق الخاص بنا، فنحن لا نرى فيها لمسات غربية، وهو قد حافظ على هويته الفلسطينية بأعماله».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن