قضايا وآراء

ملوك الطوائف و«فضائل» القرار الترامبي

| عمار عبد الغني

أكثر ما نخشاه أن تضيع فلسطين كما ضاعت الأندلس، فحال العرب في هذه الأيام كحالهم قبل نحو ألف عام عندما تآمر «ملوك الطوائف» على بعضهم البعض وانتهى بهم الأمر جميعاً بالخسارة والاندحار، ذلك تؤكده الوقائع ما قبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة أبدية لكيان الاحتلال الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إليه، وما تلا الإعلان من ردود فعل مهينة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وصولاً إلى من يعدون أنفسهم مدافعين عن الحرمات والمقدسات في مضارب بني سعود، حتى إننا وجدنا رئيساً مثل كيم جونغ وون لديه نخوة وغيرة أكثر من معظم العرب عندما قال: «لا دولة اسمها إسرائيل حتى تكون القدس عاصمة لها».
مضت أيام على إعلان ترامب قراره وعرب «الاعتدال» إما أنهم لم يعلموا ما حدث، وإما أنهم أبلغوا سابقاً بالقرار وباركوا الخطوة الترامبية، حيث إن القدس تقف حجر عثرة أخيرة في طريقهم أمام التطبيع الكامل مع كيان الاحتلال، ونرجح الثانية لكون هؤلاء باعوا فلسطين منذ عقود وإن أبقوا علاقتهم سرية مع الإسرائيليين فهو لخوفهم من شعوبهم بالانقلاب عليهم وخروج الوضع من تحت سيطرتهم، ومن ينسى موقف الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز يوم أعلن مبادرة عام 2001 وقال عنها قادة الاحتلال: إنها «لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت فيه».
وحدها سورية بقيت حتى اللحظة تعد القضية الفلسطينية قضيتها المركزية الأولى، رغم ما حل بها نتيجة الحرب الشرسة التي تشن عليها والطعن في الظهر من بعض الفلسطينيين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم جناحاً عسكرياً مقاوماً وكانوا أول ما انقلبوا على سورية وانقادوا وراء حكام الخليج، واليوم لم يدلوا ولو ببيان شجب أو إدانة.
إن كان من «فضل» فيما أقدم عليه الرئيس الأميركي، فهو كشف الجميع على حقيقتهم، فبعض الحكام لم يجرؤوا على الإدلاء بتصريح إدانة، ذلك أن ترامب قد أخذ موافقتهم المسبقة عندما استدعاهم إلى البيت الأبيض خلال الفترة القصيرة السابقة، والبعض الآخر صمت خوفاً من غضب الإدارة الأميركية أو لتذرعه باتفاقات الإذعان التي وقعها مع كيان الاحتلال.
والأهم أن الخطوة الأميركية كشفت حجم الهوة بين بعض الحكام والشعب العربي الذي هب منذ اللحظة الأولى دفاعاً عن المقدسات، وبدا ذلك واضحاً في كل الشارع العربي، حيث أجمع العرب على اختلاف شرائحهم وانتماءاتهم العقائدية بأن القرار الأميركي جرح كرامتهم ولا نظن أحداً غير مستعد لتقديم روحه رخيصة في سبيل نصرة القدس.
هذا يمكن البناء عليه لإقامة تيار قومي شعبي بقيادة سورية وأحرار الأمة لمواجهة الأخطار المحدقة وإسقاط المشروع الصهيوأميركي الجديد ويكون مقدمة لمواصلة الحراك وتطويره إلى كفاح مسلح لإعادة تصويب البوصلة نحو العدو الحقيقي المتمثل بكيان الاحتلال لاستعادة فلسطين كاملة.
ربما قدّم ترامب، عن غير قصد، خدمة للعرب توقظهم من سباتهم الطويل، وخاصة أننا نعيش نهاية مرحلة الأحادية القطبية وبداية مرحلة جديدة ترتسم فيها معالم العالم الجديد والذي لن يكون فيه مكان لعرب التآمر والخذلان.
الطريق نحو القدس معروفة، وهي طريق المقاومة الذي سار عليه العرب منذ عصر صلاح الدين، وفلسطين وليس القدس فقط كانت وستبقى عربية شاء من شاء وأبى من أبى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن