ثقافة وفن

«ثنائية فن من حلب» تعود إلى دمشق … بشير بدوي: أدخلت فكرة جديدة وهي استخدام الحروف وهذا ما أضفى على اللوحة بعداً آخر .. نعمت بدوي: على الرغم من الحرب يبقى هناك أشياء جميلة ولطيفة ومن المفترض تسليط الضوء عليها

| سارة سلامة

احتضنت صالة «ألف نون» التي عودتنا دائماً احتضان الفن الجميل والراقي معرضاً فنياً، شارك فيه الأخوان بشير ونعمت بدوي تحت عنوان «ثنائية فن من حلب»، اللذان قدما من حلب إلى دمشق نافضين عنهما غبار حرب فرقتهما لسنوات.
المعرض ضم قرابة العشرين لوحة استخدما فيها كلاً من الخشب والمعدن بكل ما تحمله هذه المواد من روح جديدة تضفيها على اللوحة، فالخشب مع تشطيباته يدل على مرور الزمن والمعدن الذي يحول كل آثار الحرب إلى فن جميل.
الأخوان بدوي من الفنانين الذين يبحثون دائماً عن الجديد عبر تقنيات مختلفة ويبحثون في قدرة الألوان على صناعة فن مميز، في أعمالهما نرى نوعاً من البساطة والجمال ونرى الانتقائية والشرقية وهذا ما يوضح حساسيتهما الكبيرة للريشة واللون، ونشاهد الأيقونة لديهما بكل ما تحمله من قدسية تتخلى عن صبغتها الدينية وتحمل طابعاً فنياً وجمالياً وثقافياً رائعاً، فأتت هذه الأيقونة لتوحد كل الطوائف وليس لتحدد وتميز طائفة بعينها.

معرض عشق لسورية

أكدت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان في تصريح للصحفيين: إن «سعادتي كبيرة بمعرض «ثنائية فن من حلب» للأخوين بدوي حيث رسم بشير على خشب قديم عمره 50 إلى 60 عاماً، أما نعمت فأخذ قطعاً من آثار الحرب ليرسم عليها ويعيد لها الحياة راسماً فيها الابتسامة والتفاؤل، مضيفةً: إن «بشير ونعمت بدوي عملا بالأيقونات وحولا كل لوحاتهما إلى أيقونات ولكن هذه الأيقونات ليست ذات صبغة دينية فقط بل ذات صبغة ثقافية وصبغة سورية وهذه أيقونات تعبر عن أصالة هذا الشعب السوري وثقافته».
وبينت شعبان: أن «الأخوين بدوي كانا في حلب ولم يغادراها ولم يغادرا الصمود والصلابة، وإذا ما دققنا في لوحاتهما نجد في كل منها قصة تقول إننا ما زلنا موجودين وصامدين ونزداد غنى وهذا في الحقيقة سرّ صمود سورية، مفيدة أن «هذا المعرض جزء أساسي من هوية سورية الثقافية فالأخوان بدوي حولا آثار الحرب إلى شيء إيجابي ولم يعد هناك شيء محدد لطائفة محددة وهذا ردّ على كل من حاول أن يفرقنا إلى شيعٍ وأحزاب، وأعادا خلقها ليجعلا من هذه الحرب فجراً جميلاً لسورية».
وأوضحت شعبان أن «كل سوري هو بطل وكل سورية هي بطلة لأنهم عشاق لهذا البلد، وهذا المعرض هو معرض عشق لسورية ولثقافتها، وختاماً قالت شعبان: إنه «لشيء جميل ما تقدمه صالة «ألف نون»، بهذه المبادرة الجميلة من الفنان بديع جحجاح الذي يحتضن كل هذه المعارض الجميلة، لأن هذه المعارض تدل على أن الشعب السوري لا يموت ومتجذر في هذه الأرض وعاشق لترابها ويعيد خلق سورية من جديد في كل مرة يحاولون أن ينهوها».
الخشب يضفي بعداً جمالياً

ومن جهته قال الفنان بشير بدوي المشارك في المعرض: إنه «وبعد غياب طويل من مشاركتنا الثنائية في دمشق نتيجة للظروف والحرب نعود مجدداً لنفتتح معرضاً ثنائياً أنا وأخي نعمت، حيث قمنا بالتحضير له منذ العام الماضي، ليضم قرابة العشرين لوحة من أعمالي وأعماله، وفي الحقيقة نختلف في المواد المستخدمة بلوحاتنا، حيث أدخل نعمت في اللوحة كلاً من الخشب والمعدن، أما أنا تقنياً فاخترت الرسم على الخشب مستخدماً الألوان الزيتية بشكل شفاف لأحصل على إحساس وكأنها أيقونة وأدخلت الورق الذهبي».
وأضاف بشير: إن «الخشب يعتبر قديماً نوعاً ما لأن هذا القدم يشبه الإنسان له جمالية خاصة عندما يكبر وتحفر به خطوط الزمن، ومن خلال ترميمي للوحات وعمل الأيقونات فإن إحساسنا بالقطعة القديمة يضفي جمالية بشكل أكبر من الناحية التقنية ولذلك فإن الخشب أضاف للوحة بعداً جميلاً وحاولت استخدامه في أغلب اللوحات».
وبينّ بشير: إنني «تناولت في هذا المعرض مواضيع إنسانية عن الطفولة وكذلك لوحتان للسيدة فيروز لأنني أحبها وكذلك لعشقي في رسم «البورتريه»، وأدخلت من خلال هذا المعرض فكرة جديدة وهي استخدام الحروف وهو ما أضفى على اللوحة بعداً آخر».

لا أريد أن أحلم كثيراً
وبدوره قال الفنان نعمت بدوي: إن «هذا المعرض ليس الأول وهو المعرض الـ16 لي ولأخي بشير حيث كان آخر معرض لنا في العام 2004، وقد غبنا فترة طويلة وبعدها أتت الحرب وانقطعنا، وفي العام الماضي شاركنا في معرض جماعي بعنوان «حلب قصدنا وأنت السبيل» كذلك في صالة «ألف نون»، ومعرضنا هذا يضم 20 لوحة».
وأضاف نعمت: إن «أعمالي تميزت بالصفائح المعدنية المؤكسدة أما بشير فعمل على خشب قديم محافظاً على نسيج الألياف الخشبية، وتدور أعمالي حول مواضيع كثيرة وقريبة من الواقع المحيط بنا مثل: الأطفال، الأسرة، وحتى الأشياء الصغيرة التي نراها كل يوم وتكون قريبة من الطاولة أو المكتبة ومن يومياتنا، فأنا شخص لا أريد أن أحلم كثيراً ولكن أستطيع أن أخلق من هذه الأشياء الصغيرة الأمل وأسلط الضوء عليها، وعلى الرغم من هذه الحرب التي مرت بها سورية يبقى هناك أشياء جميلة ولطيفة ومن المفترض أن نركز ونسلط الضوء عليها وذلك من خلال الإخلاص بالعمل وليس من خلال الاستهتار».
وبينّ نعمت أنه «من الطبيعي أن يكون هناك صعوبة في استخدام المعدن ولكنني أحب النحت وأحب المادة والملمس وبالنسبة لي هذا شيء مهم جداً، ومتأثر به من خلال ترميمي للأيقونات القديمة وبعض الأشياء الأثرية الأمر الذي ساعدني بتطوير مفهوم الأيقونة لكيلا تبقى ضمن إطار ديني بل لتكون في إطار مدني وفني وثقافي».

الخطيئة لن تمر في سورية
أما الفنان بديع جحجاح فقال: إن «معرض «ثنائية فن من حلب» يضعنا أمام تيار جميل رومانسي ساحر ضد التيارات التي تستسهل الحركة التشكيلية الفنية والتجريدية والتيارات المختلفة التي لها علاقة بتهديم هذه المقاييس وهذه النسب الإنسانية والبعيدة عن كل الرموز المشرقية».
وأضاف جحجاح: إن «هذا المعرض يتكلم عن نهاية عام 2017 بكل ما يحمله من مزيج وثنائية في الحب نحن الآن بأمس الحاجة لها أمام انتصارات جيشنا وصبر قائدنا وهمة شعبنا الذي يترقب النصر القادم، ونحن اليوم لسنا بحاجة إلى لوحة تتكلم عن حال الفنان الفردي ولكننا بحاجة إلى لوحة تنعش التدفق الروحاني أمام هذا المشرق الذي يطلب منا إعادة تشكيل رموز مختلفة وجديدة أمام أجيال تتوق إلى فن يتكلم عن هوية».
وأوضح جحجاح أن «الفنان الحساس والمغرق بالمشرقية هو شخص يعانق الطبيعة واليوم عندما نستخدم معدناً مؤكسداً وتؤثر فيه الطبيعة يصبح جزءاً منها، أو نستخدم روح الخشب مع كل هذه السنوات التي تظهر من خلال التشطيبات وتتحول كإنسان إلى جزء من هذا التحول الطبيعي، واستخدام هذه المواد هو دلالة العيش ودلالة على أننا شعب حيّ نعيش ونفهم ونستوعب ونتفكر ونتأمل ونعرف بأن الخطيئة لن تمر في سورية إطلاقاً، ونلاحظ من خلال المعرض اختفاء أي تأثير للحرب وكأننا خارج الحرب وخارج هذا التدمير الممنهج لنقول إن الإنسان السوري هو معدن مثله مثل الذهب».

هاربون من العصور الوسطى
ومن جهته قال الفنان التشكيلي جمعة نزهان: إن «هذا المعرض مكتمل وهؤلاء الشباب لديهم طاقة كبيرة وأشعر بأنهم هاربون من العصور الوسطى أو من عصر النهضة، والفنان المجتهد هو الذي يطور أدواته، والأخوان بدوي من الأشخاص الذين اجتهدوا ليطوروا أدواتهم الفنية، وفي الحقيقة اعتدنا في صالة «ألف نون» على المفاجآت وهي التي خلقت في فترة الأزمة وقدمت أكثر من تجربة فنية لأكثر من فنان ونجحت في هذا التقديم وهذا المعرض هو استمرار للمشروع الذي نعمل عليه، والأخوان بدوي من الفنانين الذين صمدوا في الأزمة وظلوا يرسمون ويبحثون في التقنيات والألوان، كما أن أعمالهما من النوع السهل الممتنع فالناظر إلى اللوحة يراها بسيطة جداً وكذلك فإن حساسيتهما للريشة وللون عالية، والتكوينات لديهما بسيطة ولوحتهما مثل أيقونة وفي ذات الوقت ألوانهم شرقية من ناحية الدلالات والرموز ومن ناحية المواضيع المشغولة باللوحة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن