قضايا وآراء

حرب اليمن وآخر دور وظيفي لآل سعود

| تحسين الحلبي

يبدو أن الاستعمار البريطاني الذي فرض احتلاله في أواسط القرن التاسع عشر على مناطق كثيرة في شبه الجزيرة العربية في العهد العثماني وتوج هذا الاحتلال باتفاق بيرسي كوكس، مع ابن سعود بتعيينه ملكا في عام 1915 على كل تلك المحميات البريطانية، أصبح يوظف العائلة المالكة لتنفيذ سياسته نفسها القائمة على «فرق تسد» لتوسيع مصالحه ومصالح الولايات المتحدة التي ورثت مستعمرات كثيرة عن بريطانيا العجوز.
منذ الخمسينيات، تولت العائلة المالكة السعودية مهمة التآمر لإسقاط الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بعد إخفاق احتلالها مع فرنسا وإسرائيل لمصر عام 1956، وحين قامت أول وحدة عربية معاصرة بين مصر وسورية تآمر آل سعود عليها لتجزئة العالم العربي وإعادة تقسيمه، وانتقلت مؤامراتها في الستينيات إلى اليمن الشمالي والجنوبي لإبقاء اليمن الجنوبي تحت الاحتلال البريطاني واليمن الشمالي تحت حكم رجعي، وقاتلت ضد الجيش المصري الذي كان يدعم ثوار اليمن ضد الاحتلال البريطاني ومولت المجموعات التي تقاتل ضد جيش مصر، وأصبحت عملية توظيف العائلة المالكة السعودية في هذه المهام والحروب أهم مما يمكن أن تقوم به إسرائيل من وظيفة لخدمة المصالح الاستعمارية في العالم العربي.
منذ عام 2015، بدأ اليمن يتحول من جديد إلى جدول عمل وظيفي للعائلة المالكة لتفتيته وتحويله إلى كيانات تتقاتل ضد بعضها خدمة لمصالح واشنطن وحليفها الإسرائيلي بعد أن فشلت وظيفة السعودية في تفتيت سورية والعراق.
تمكنت العائلة المالكة السعودية من الانتقال إلى دور من يشن حرباً مباشرة بكل قدراتها ضد الشعب اليمني الذي رفض التقسيم، وضمت إلى هذه الحرب دولاً أخرى للأسف الشديد، وحين خسرت الحرب في الميدان أمام تحالف «أنصار اللـه» والجيش اليمني بقيادة علي عبد اللـه صالح، لجأت إلى استخدام سياسة «فرق تسد» فنقلت علي صالح إلى شق هذا التحالف وأعلنت دعمه، وتشير كل المعلومات إلى أنها بعثت برسائل سرية لصالح بطرق كثيرة لاستمالته وهو الذي اعتاد على تحويل الحليف إلى عدو، والعدو إلى حليف منذ عام 1978 وفي محطات كثيرة ما دام يحافظ على بقائه في الحكم، هذا في الحقيقة ما كان يدركه الحلفاء من «أنصار اللـه» ويخشون منه، ويضعون له الحسابات سلفاً منذ بداية تحالف صالح معهم، على حماية شعب اليمن ووحدته واستقلاله وسيادته فوق أراضيه، ولذلك تمكن الشعب اليمني وقواه اليمنية الثورية من إلحاق الهزيمة بمؤامرة العائلة المالكة السعودية ودور صالح فيها ضد شعبه وحلفائه.
ألا يرى الجميع أن العائلة المالكة تلقت منذ ظهورها العلني في هذا الدور الوظيفي في عهد الملك سلمان وابنه دوراً وظيفياً واضحاً، حين قامت بانقلاب داخلي على الحكم تنكر فيه الأب والابن لأفراد من الأمراء وأولياء العهد واعتقلوهم وصادروا جزءاً من أموالهم وامتيازاتهم، وهم الذين كانوا شركاءهم في كل ما قاموا به من دور وظيفي في الماضي؟ وهل سيضمن من يحكم الآن في السعودية ألا تتخلى عنه واشنطن لمصلحة غيره حين تجده عاجزاً عن النجاح في وظيفته؟
لا أحد يشك أن حكومات إسرائيل منذ اغتصابها لفلسطين كانت وما زالت تقوم بدور وظيفي لتمزيق العالم العربي، ورغم كل ما أنجزته إسرائيل من مصالح للولايات المتحدة منذ عدوان حزيران 1967، إلا أن واشنطن لا تبالي إذا تخلت عنها مقابل مصالح أكبر، أو عندما تعجز عن أداء وظيفتها وتتحول إلى عبء عليها، وهذا ما ألمحت إليه رئيسة حكومة إسرائيل الأسبق غولدامائير عندما فاجأتها سورية ومصر بحرب تشرين 1973، وهذا ما قاله مسؤول المخابرات العسكرية السابق الجنرال أهارون ياريف حين كان مستشارها لمحاربة المنظمات الفلسطينية عام 1972 لمن ينتقد سياسة التكيف مع واشنطن: إن «الولايات المتحدة هي المنقذ الوحيد لإسرائيل وإذا اتخذنا سياسة أخرى معها فسنخسر وجودنا».
ولا أحد يشك بأن قيمة إسرائيل عند واشنطن أهم من أي قيمة لأي دولة عربية تظن أنها حليفة لها، ودور العائلة المالكة فيما تقوم به في اليمن سينتهي ولن تجد لها الرياض سوى دفع أثمان سياستها ضد أشقائها، وقانون «جاستا« الأميركي لمحاكمة العائلة المالكة بتهمة المسؤولية عن تفجيرات 11 أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن، خير دليل على أن واشنطن تخلت عن منح الحصانة للعائلة المالكة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن