من دفتر الوطن

مسافرون في الزمن!

| عصام داري 

حياتنا توليفة مزركشة بكل الألوان، وتحتوي من هذا وذاك، لا تخلو من عبق العشق وغزل العيون الصامت الذي يقص أروع الروايات والحكايات، ويقلص المسافات بين القلوب، ومن حزن يرافق أيامنا ونحن نسير في قطار العمر الذي يطوي الفيافي والأعوام.
نغادر أحياناً إحدى عربات القطار ولنا فيه أحبة، نحزن لفراقهم، لكننا نغادر مجبرين، فعندما تحول الظروف بيننا وبين من نهوى ويبخل علينا بطاقة ورد وسؤال ورد وكلمة ود، يصبح البقاء نوعاً من الجنون، وصرف العمر في انتظار من لا يأتي.
سنسافر أبداً في زماننا الذي اخترناه واختارنا، في زورق من مشاعر وأحاسيس، ولا شك أن الفرح ينتظرنا في إحدى المحطات، ولو تأخر قليلاً، لكن هذا القطار يسير دائماً نحو الأمام، ولا يعرف كيف يعود.
في هذه الرحلة، طالت أم قصرت، نتسلح بالكلمة والموقف والأحاسيس، يمتلك بعضنا ناصية الأبجدية فيسخرها للتعبير عما يجول في خاطره، أو عمّا لا يستطيع الآخرون التعبير عنه، إلا أننا نصطدم بمن يسوّق لنا حكمة تقول: «إذا كان الكلام من فضة.. فالسكوت من ذهب»!
من صاحب هذه المقولة القمعية التي تريد إسكات الناس وإخراسهم، لتسود «ثقافة» الحوار من طرف واحد؟، من هذا العبقري الذي أراد أن يزين لنا طريق الخنوع والاستسلام و«أمرك سيدي»! وتفضل علينا يا مولانا بجلدنا بالسياط، فالجلد على قلوبنا أحلى من العسل، وضرب الحبيب زبيب ولو كان بالقضيب!.
لو كان الصمت من ذهب فما فائدة اللسان والعقل والأبجديات والحروف؟ بل ما فائدة المشاعر والأحاسيس والحب؟ ما فائدة الحياة برمتها؟.
هناك من يلاحقنا خطوة فخطوة يريد مصادرة حريتنا وأفكارنا ومعتقداتنا وحتى أحلامنا.
افتحوا لنا الزنازين التي بنيتموها على أنقاض القلوب المتعبة، وسجنتم فيها الكلمة والبسمة والحب، دعوا عصافير قلوبنا تحلق في فضاءات سحرية هي كل ما نملك ونطلب.
قلت ذات يوم إنني سأقود ثورة للعصافير والفراشات والحمائم والأزاهير وأطفال العالم من أجل جرعة حرية وكوخ بعيد يسكن فيه بعض الأمل قبل أن تتصحر القلوب وينبت الشوك في العيون.
في عالم الضجيج والصخب، كم نحتاج إلى الهدوء والسكينة والتأمل، في عالم التوحش والتغول كم نحتاج إلى إنسانيتنا وإلى الإنسان.
في عالم الجنون نحتاج إلى العقل.
في عالم الحقد نحتاج إلى التسامح.
في عالم الكراهية نحتاج إلى الحب.
الحب مصلوب على مفارق الدروب، مطلوب في محاكم التفتيش، ملعون في أعراف القبيلة ومن شيوخ العشائر المتناحرة المتحاربة على سباق الخيل والإبل، فكيف نخرج من عباءة الجهل والتخلف والهبل وندخل في القرن الحادي والعشرين؟
تعبت قلوبنا من الرحلة الطويلة وآن لها أن تستريح، كل ما نحتاج إليه هو ركن قصي هادئ نهرب إليه من صخب ودجل وأكاذيب هذا العالم الذي صار مسرحاً للفوضى والصراخ ومرتعاً للشياطين والأبالسة.
وبانتظار ولادة زمن حب جديد بعد غياب استمر دهراً، تعزف القلوب لحن العشاق الخالد، وترفع راية الحياة بكل ألوانها الزاهية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن