اقتصاد

العلاقات الاقتصادية والتجارية السورية الصينية تتجه نحو مستقبل زاهر

| بقلم السيد تسوي بين

أبدى العالم أجمعه اهتماماً بالغاً بوضع الاقتصاد الصيني، ومنذ اتخاذ سياسة الإصلاح والانفتاح منذ عام 1978، واصلت الصين تعزيز التنمية والإصلاح من خلال سياسة الانفتاح، وأصبحت الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وقد حافظت على مكانتها باعتبارها أكبر مصدّر وثاني أكبر مستورد للسلع في التجارة العالمية.
تبوأت الصين المركز الأول على صعيد الدول النامية من حيث اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. واحتلت المركز الثاني في العالم من حيث الاستثمارات الخارجية، وازدادت قوة البلاد الوطنية الشاملة وارتفعت مكانته الدولية بشكل مبهر.
في السنوات الأخيرة، بمواجهة البيئة الدولية المعقدة والضغط المتزايد على الاقتصاد العالمي، بذلت الصين جهوداً كبيرة لتعزيز الإصلاحات الهيكلية والابتكار المستمر وتحسين تدابير التحكم الكلي، وتحفيز حيوية السوق والإبداع الاجتماعي. وفي الفترة من 2013 إلى 2016، نما اقتصاد الصين بمعدل سنوي قدره 7.2%، مساهماً بنسبة 30% في النمو الاقتصادي العالمي، لأن اقتصاد الصين أصبح يملك قطاعات جديدة لديها القوة الدافعة للنمو السريع وهذا لعب دوراً داعماً رئيسياً للاقتصاد. ولقد ازداد عدد مؤسسات هذه القطاعات الجديدة بشكل كبير، وحافظ التطور القوي للاقتصاد الرقمي على نمو سريع في مبيعات التجزئة عبر الإنترنت، ويحظى الدفع عبر الهاتف المحمول بشعبية كبيرة. وقد حقق الاقتصاد الأخضر نمواً قوياً، وشكلت الطاقة الجديدة والمتجددة زيادةً نحو 40% من القدرة العالمية في العام الماضي. أما في الوقت الحالي، تسهم القطاعات الجديدة بنسبة تزيد على 30% في النمو الاقتصادي وتلعب دوراً داعماً مهماً بشكل كبير.
ومنذ بداية هذا العام، حافظ اقتصاد الصين على قوة دفع ثابتة وجيدة وأصبح وضع الاقتصاد أفضل مما كان متوقعاً. بنهاية الربع الثالث بلغ نمو الاقتصاد بنسبة 6.9%، وبنهاية الشهر العاشر من هذه السنة زادت الإيرادات المالية بنسبة 9.2%، ومعدل الأرباح الصناعية بنسبة 20% أو أكثر، وارتفعت نسبة قطاع الخدمات من الناتج المحلي الإجمالي إلى 52.9%. أما سوق السندات، وسوق الأوراق المالية، وسوق العقارات فتبقى مستقرة بشكل عام. وانخفضت نسبة معدل الاكتفاء الذاتي مالياً، ونسبة القروض المتعثرة من البنوك التجارية بشكل كبير. وظل سعر صرف العملة الصينية مستقراً، وعموماً المخاطر المالية الشاملة يمكن السيطرة عليها، وتعززت الثقة بالسوق.
بالإشارة إلى التقرير المهم الذي أعده سيادة الرئيس الصيني السيد شي جينبينغ في المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، فإنه وضع خطة وبرنامج عمل للتنمية المستقبلية للصين. فقد تحول اقتصاد الصين من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة تطور عالي النوعية. وسوف تعتمد التنمية الصينية على الابتكار والتنسيق والاقتصاد الأخضر وسياسة الانفتاح والتشاركية والتمسك بمبدأ الجودة والكفاءة أولاً، والاعتماد على الإصلاح البنيوي، وتعزيز تغيير أسلوب التنمية الاقتصادية، وتعزيز الابتكار الاقتصادي والقدرة التنافسية باستمرار، وبناء نظام اقتصادي حديث. وستلتزم الصين بالسياسة الوطنية الأساسية للانفتاح على العالم وستركز على مبادرة «حزام واحد وطريق واحد». وسوف تلتزم بمبدأ تعزيز التعاون سواءً كان في داخل الصين أو في الخارج، وستتخذ سياسات لتسهيل وتحرير التجارة والاستثمار على مستوى عال، وتقدم تسهيلات أكبر لدخول السوق الصينية وتوسيع الانفتاح للشركات الأجنبية في قطاع الخدمات، وحماية الحقوق القانونية ومصالح الاستثمار الأجنبي. وسوف تمنح المزيد من الحرية لإصلاح مناطق التجارة الحرة وبحث إمكانية لبناء ميناء للتجارة الحرة. وفي الوقت نفسه، ستقوم بابتكار أساليب جديدة للاستثمار في الخارج، وبناء شبكة في مجالات التجارة والاستثمار والتمويل والإنتاج والخدمات باتجاه العالم، وتشجيع تشكيل نمط جديد من الانفتاح الكامل.
وفي فترة التنمية الاقتصادية العالية الجودة في الصين، يتم تعزيز الدور الرائد للابتكار. ومن المؤكد أن تطوير البنية الصناعية والاستهلاكية والتنمية المنسقة للمناطق الحضرية والريفية سيوفران المزيد من الأسواق والنمو والاستثمار وفرص التعاون لجميع الدول بما فيها سورية. وفي الأعوام الخمسة عشر القادمة، يقدر أن تستورد الصين بقيمة 24 تريليون دولار أميركي من السلع وتستوعب ما قيمته 2 تريليون دولار أميركي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وسوف يبلغ إجمالي الاستثمارات الصادرة إلى 2 تريليون دولار أميركي. أما في الوقت الحاضر، فقد اندمج الاقتصاد الصيني بشكل عميق في الاقتصاد العالمي. ، وتنمية الصين أصبحت لا تنفصم بشكل متزايد عن العالم، كما أن تنمية العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين، ويجب على رجال الأعمال السوريين البارزين أن يتحينوا فرصة التنمية الصينية ليستفيدوا منها.
إن كلا البلدين الصين وسورية مهد للحضارة القديمة في العالم. وقد أنشأ طريق الحرير القديم جسراً من الصداقة والتعاون منذ فترة طويلة. قبل الأزمة شهدت الصين وسورية تطوراً كبيراً للتعاون في المجال الاقتصادي والتجاري وحققتا نتائج مثمرة في التعاون في مجالات التجارة والطاقة والصناعة والبنى التحتية. وعلى الرغم من أن الأزمة في سورية كان لها تأثير في التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي، إلا أن مع تحسن الوضع السوري بشكل كبير، فإن التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وسورية آخذ في الارتفاع بشكل كبير. ووفقاً لإحصاءات الجمارك الصينية، فإن حجم التبادل التجاري المباشر بين الصين وسورية وصل إلى 810 ملايين دولار أميركي في الفترة من شهر كانون الثاني ولغاية شهر أيلول من هذا العام بزيادة مقدارها17.6% عن نفس الفترة من العام الماضي. وبالنظر إلى عوامل مثل التجارة غير المباشرة، فمن المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري الفعلي لهذا العام إلى 2 مليار دولار أميركي.
ومنذ بداية هذا العام، ركزت المزيد من الشركات الصينية اهتمامها إلى السوق السورية. وقامت العشرات من الشركات الصينية بزيارة ميدانية لسورية لإجراء المفاوضات مع الجانب السوري في مجالات مثل الطاقة والكهرباء ومواد البناء والسيارات. وشاركت أكثر من 20 شركة صينية في معرض دمشق الدولي الدورة 59، كما تم تجميع وتسويق العديد من العلامات التجارية الصينية للسيارات في سورية. كل هذا يدل على أن الشركات الصينية زادت ثقتهم في السوق السورية. وإضافة إلى ذلك، قدمت الحكومة الصينية أيضاً أنواعاً مختلفة من المساعدات والدعم لسورية. فمنذ بداية العام، وقع الجانبان عدداً من اتفاقيات المساعدات بقيمة 340 مليون يوان. ويشمل المشروع مجالات مثل المعونة الغذائية والتجهيزات الكهربائية والنقل العام والجمارك. كما قدمت الصين العشرات من المنح الدراسية إلى سورية، وقامت بدعوة أكثر من 200 شخص من الكوادر السورية للمشاركة في الدورات التدريبية في مختلف المجالات.
أكد الحزب الشيوعي الصيني في المؤتمر الوطني التاسع عشر مجدداً سياسته المتمثلة في الانفتاح على العالم، وعزز بنشاط إقامة «مبادرة الحزام والطريق» التي تتلاءم بشكل كبير مع إستراتيجية التوجه شرقاً والتي طرحها سيادة الرئيس بشار الأسد، والتي ستحقق أهمية وفرصة جديدة لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية.
إن سورية بلد مهم يقع على طول «الحزام والطريق». وترغب الصين في تعزيز مبادرة «حزام واحد وطريق واحد» مع إستراتيجية التوجه شرقاً، والاستفادة من المزايا الاقتصادية للصين وسورية، والمشاركة في إعادة الإعمار اجتماعياً واقتصادياً بشكل فعال في سورية. كما ستواصل الصين تقديم المساعدة والدعم. ولتحقيق هذه الغاية، أقترح ما يلي:
أولاً، ستواصل الصين تعزيز التسهيلات التجارية وارتفاع حجم التبادل التجاري. وتشجيع استيراد المزيد من المنتجات السورية لتحسين البنية التجارية بين الصين وسورية على هذا الأساس. وستعقد الصين معرضاً دولياً للاستيراد بدءاً من عام 2018، وترحب ترحيباً حاراً بالفعاليات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية والمؤسسات السورية للمشاركة في هذا المعرض ومن خلال هذا المعرض، يمكن أن توسع سورية تصدير المنتجات العالية الجودة إلى الصين والدول الأجنبية.
وثانياً، تعزيز التعاون في مجال البني التحتية، تود الصين تشجيع الشركات للمشاركة بنشاط في مشاريع إعادة الإعمار مثل الطاقة والكهرباء وبناء المساكن والنقل بموجب مبدأ ضمان الأمن والمعاملات التجارية والمنفعة المتبادلة والربح- الربح.
ثالثاً، يتعين على مجتمع رجال الأعمال في الصين وسورية تعزيز المبادلات بين الشركات وتوسيع فرص التعاون من خلال المشاركة المتبادلة في المعارض، وتعزيز تبادل الزيارات وإقامة الندوات وغيرها من الوسائل. وتتطلع الصين قدماً للعمل عن كثب مع الحكومة السورية ومجتمع رجال الأعمال بشكل وثيق ومشترك لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وسورية لتحقيق تنمية جديدة.
المستشار الاقتصادي والتجاري للسفارة الصينية بدمشق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن