هي إذاً في عهدة الرياض!
| عبد المنعم علي عيسى
دون أدنى شك أخطأت الأنظمة العربية على مر مراحلها في تعاطيها مع القضية الفلسطينية منذ أن أعلن عن قيام دولة إسرائيل أيار من العام 1948، وهي لم تستطع تحديد وجهة رياح السياسات الدولية، بل لم تكن تحسب حساباً لميزان القوى القائم أو إن هي فعلت فقد كانت مخطئة فيه، فلا هي استطاعت الاستفادة مما تتيحه تلك الموازين، ولا هي استطاعت تغييرها فعلياً بما يسمح لها بتحقيق الأهداف التي كانت ترمي لها.
كانت الخطيئة الأولى في رفض القرار 181 الصادر عن مجلس الأمن تشرين ثاني 1947 وهو ما لم تكن تتيحه الموازين القائمة، كان القرار يقضي بقيام دولة فلسطينية وأخرى يهودية مع بقاء القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية، ومن الواضح اليوم وبعد مرور أكثر من سبعين عاماً من الصراع والحروب، فإن ذلك السقف يشكل اليوم أقصى الأحلام العربية، وأثبتت العديد من الشعارات والتحضيرات التي كانت تسبق حرب حزيران 1967 أن العرب لم يكونوا مدركين لماهية إسرائيل؟ وماذا يعني قيامها وما مدى الالتزام الغربي بأمنها؟
منذ أن دارت عجلة الصراع، تمايز في ضفته العربية تياران: الأول سمي الدول الراديكالية وهي دول الطوق مدعومة ببعض الدول الأخرى، والثاني دول «الاعتدال» العربي، واستمر الصراع بجناحيه العربيين وخيضت حروب وكانت هزائم وانتصارات، وقد كانت إشكالية الدور الذي تمارسه دول «الاعتدال» بارزه تنبئ بها ظلال الأحداث وتشير إليها، وفيما بعد بدأت حلول الكلمات المتقاطعة تتوالى لنرى أن الرياض كانت تمارس دوراً محورياً في العدوان على الدول الراديكالية وهي تقوم بالتحريض عليها لضربها وإسقاط أنظمتها بل احتلال جزء من أراضيها، وهنا يمكن النظر لكتاب «عقود من الخيبات» للمؤلف حمدان حمدان، وهي حتى في قراراتها «القومية» التي اتخذتها، إنما كانت تؤدي فيها دوراً وظيفياً محدداً، فقرار حظر النفط الجزئي الذي قيل إنه كان لدعم المجهود الحربي لمصر وسورية في تشرين 1973، كان أساساً إملاءً أميركياً في سياق سياسة أميركية تريد رفع أسعار الطاقة العالمي لكبح جماح الاقتصاد الأوربي الذي أضحى منافساً حقيقياً للاقتصاد الأميركي انطلاقاً من سعر طاقة رخيص أمنه لها مشروع مارشال، وهنا يمكن النظر في كتاب «زيارة جديدة للتاريخ» فصل ديفيد روكفلر، للمؤلف محمد حسنين هيكل، وحتى وقوف الرياض ضد كامب ديفيد لم يكن انتصاراً للحقوق العربية وإنما كان انطلاقاً من خروج السادات عن الطاعة السعودية فحسب.
يقول جاك اكنل الذي قضى أربعين عاماً في خدمة ملك الأردن الراحل حسين بن طلال في كتابه «كاتم أسرار الملك» الصادر في لندن 2011: إن المبادرة التي قدمها الأمير عبد اللـه بن عبد العزيز، والذي صار الملك لاحقاً، والتي تبنتها قمة بيروت 2002 كمبادرة سلام عربية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، تلك المبادرة هي من بنات أفكاره وقد سبق له أن قدمها للملك حسين ثم لابنه الملك عبد اللـه عندما التقاه في أعقاب انتهاء مراسم تشييع أبيه الراحل 1999، لكن اكنل يضيف: فوجئ بأن المبادرة قد وصلت إلى الرياض وهو يرجح أنها وصلت عن طريق الأردن وتحديداً عن طريق السفير الأردني في واشنطن مروان المعشر.
من المهم الآن أن نقول: إن الرفض الذي قابلت به إسرائيل تلك المبادرة لم يكن ناجماً عن عدم معرفتها بها أو عدم التنسيق مع الرياض قبيل إعلانها، وإنما كان ناجماً من أن تل أبيب كانت ترى أن من شأن اعترافها بتلك المبادرة أن يؤدي إلى الاعتراف بالدور والثقل السعوديين، وهي، أي إسرائيل، ترى أن هناك المزيد مما هو مطلوب، ويتوجب فعله، من الرياض قبيل أن تحظى بذاك الاعتراف.
وفي خلال المرحلة اللاحقة جهدت الرياض في فعل ما هو مطلوب منها بدءاً من الموقف من عدوان تموز 2006، مروراً بحشد القوى والإغراءات لإسقاط اتفاق فيينا 2015 الذي أنهى أزمة الملف النووي الإيراني، وصولاً إلى وضع حزب اللـه، وقبله حماس، على لوائح إرهابها ثم على لوائح الجامعة العربية، وانتهاءً بنجاحها الجزئي في جعل الصراع العربي الإيراني محور الصراع في المنطقة.
الآن يبدو أن الرياض قد أنجزت المهام المطلوبة منها الأمر الذي يفسر استعداد تل أبيب للقبول بدور سعودي محوري لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ومن المؤكد أن ترامب، وإن كان قد استند إلى العديد من الدوافع والمحفزات لاتخاذ قراره بنقل سفارة بلاده إلى القدس، إلا أن من بينها، بل من أهمها أيضاً، استناده إلى صمت الرباعية الخليجية المصرية الأردنية السعودية على حين المطلوب من هذي الأخيرة يرقى إلى تهيئة الأجواء السعودية الداخلية وكذا العربية، ألم يقل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إنه يريد إسلاماً وسطياً مبنياً على المحبة والتسامح؟ ثم ألم يقل إن الكثير من ممارسات بلاده السابقة كانت خاطئة وليست من الإسلام في شيء؟ وهل يمكن ألا نلمس ما وراء أكمة ذينك الرغبتين السلمانيتين؟ لننتظر ونر.