بين المباشرة واللا مباشرة
| سامر ضاحي
تستمر رحى مفاوضات جنيف بالدوران على وقع كلمات المطربة اللبنانية فيروز «لا تجي اليوم ولا تجي بكرا»، فالحل السياسي يبدو مؤجلاً لا معجلاً، لأن المنصة التي تشهد المفاوضات في المدينة السويسرية، لم تصل إلى مبدأ التفاوض حتى مع انقضاء سبع جولات ونصف الجولة.
وإذا ما سلمنا جدلاً بأن جنيف لا تزال أقصى سقف يمكن للمعارضة أن تصل إليه، فإن ثمة تطورات تؤكد هذه الرؤية إذا ما نظرنا إلى مخرجات مؤتمر الرياض التي جمع ثلاث منصات للمعارضة إضافة إلى شخصيات مستقلة واستطاعت الدول الراعية لجنيف، سواء التي تدعم الحكومة السورية أو التي تدعم معارضتها، أن تقحم ممثلين عن منصتي موسكو والقاهرة اللتين تبديان مواقف أكثر مرونة تجاه دمشق على عكس منصة الرياض التي أدت التطورات الإقليمية والدولية إلى إزاحة تيار الصقور فيها لمصلحة تيار الحمائم، ومن جهة أخرى تبدو التناقضات في المعارضة المنبثقة عن «الرياض 2» أكثر حدة ضمن الفريق الواحد مع تراجع دور المعارضين الذين كانوا يملكون بعض الوصاية على ميليشيات المعارضة المسلحة على الأرض، فبات المشهد السوري في تباين واضح بين الميدان المعارض وقادته السياسيين، ولا أدل على ذلك من الصراع على النفوذ الذي تشهده مناطق الشمال بين موالين للحكومة المؤقتة التي تتبع للائتلاف المعارض وموالين لحكومة الإنقاذ التي تعتبر محاولة من جبهة النصرة للظهور بموقف مدني ودفع سمة الإرهاب عنها، ويبدو أن المناخ الدولي والإقليمي في ضوء صراع المصالح بين روسيا وإيران وتركيا في سورية، يساعد «النصرة» في هذا التوجه لكنه يعوق أي توافق خارجي باعتبار أوامر «النصرة» لا تزال مرتبطة بالتركي.
لا يمكن إنكار الدور الروسي المهم ميدانياً والذي أسهم بدفع الأمور قدماً في المفاوضات الخارجية في أستانا وما تمخض عنها من اتفاقات لخفض التصعيد، لكن الأخيرة من شأنها إدخال أي محادثات سياسية في سراديب التفاصيل، وهو ما تتقنه دمشق بامتياز على حين لا تزال المعارضة لا تمتلك الخبرة التراكمية اللازمة للتفاوض.
من هذا المنطلق تبدو المعارضة مستعجلة بالتحول إلى مفاوضات مباشرة في جنيف مقابل برود من طرف الوفد الحكومي تجاه هذه الرؤية، لأن الحكومة اليوم شبه متيقنة من وقف الدعم الخارجي عن ميليشيات المعارضة المسلحة، وبالتالي فإن عامل الزمن كفيل بتفكيك الأخيرة تباعاً في ظل الرقابة الدولية على «مناطق خفض التصعيد»، وبالتالي ليست مضطرة لتقديم أي تنازل عن رؤيتها للحل السياسي وهي التي لم تتنازل عنها في أحلك ظروفها، كما يضاف إلى ذلك عدم قدرة الميليشيات اليوم على شن هجومات واسعة على نقاط الجيش العربي السوري لو رغبت بخرق «اتفاقات خفض التصعيد» واقتصار قدراتها العسكرية على تأمين موقفها الدفاعي، ما أضاف الكثير من الارتياح على الموقف السوري دون أن يتأثر بخروج القوات الروسية من سورية الذي أعلن عنه مؤخراً.
في ضوء كل ما سبق، تبقى دمشق الأكثر قدرة باللعب على التناقضات الدولية والإقليمية، وبالتالي فإن وفدها بمقدوره المضي قدماً في تسيير كل جولات جنيف المقبلة دون الانتقال لمفاوضات مباشرة، بانتظار انتهاء الحليف الروسي من إتمام الإعدادات لمؤتمر سوتشي وتكريس «اتفاقات خفض التصعيد» في محادثات أستانا لنقل كل المخرجات السابقة إلى جنيف وإقرارها بشرعية دولية.