تنمية العقول تبدأ من رياض الأطفال
د. رحيم هادي الشمخي
في كتاب حديث صدر للباحثة البريطانية (سوزان غبرنفيلد) اسمه (تغيير العقل) تقول: إن مليونين من سكان بريطانيا سيعانون الخرف في حلول منتصف القرن الحالي، وتلفت الانتباه إلى أكثر من خمسة وثلاثين مليون شخص في عام 2030 وأكثر من 115 مليوناً عام 2050، وتقول: إن الأعباء والتكاليف التي يتحملها المجتمع والحكومات من جراء انتشار مرض (الخرف) تفوق تكاليف أمراض أخرى خطرة كالقلب والسرطان.
العالم يمشي إلى الأمام بسرعة ولكنه يلتفت إلى الوراء كل ساعة ليتحقق، ماذا ترك من خسائر في الإصابات بهذا المرض، حيث أدمغة الإنسان باتت مع الأيام معرضة لفقدان خلاياها، والخرف أو ما يسمى (الزهايمر) أحياناً، أصبح داء العصر ونتاج ضغوطه بلا منازع في العالم، أما في البلدان العربية، فإن الإحصاءات شحيحة بشأن عدد الإصابات، وسط تخلف في الوعي الاجتماعي في معالجة هذه الحالات، معظم الحالات حبيسة البيوت ويتكفل الكثير من العائلات بمعالجة ابنها من دون مساعدات حكومية، ولا تزال المستشفيات الخاصة بالأمراض العقلية محدودة العدد والعدة والأطباء، على الرغم من أن المجتمعات العربية أحوج من سواها إلى العلاج العقلي لأسباب إضافية لا تعانيها الشعوب الأخرى، تتعلق بما تفعله الحكومات العربية بالناس.
تنمية العقول تبدأ من رياض الأطفال، وأصبحت أنواع الميديا العالمية شريكاً في تربية أطفالنا من دون السيطرة على ما يقومون باستقباله من معلومات وصور وأفلام وألعاب وقيم وأسئلة وتجارب تتسرب مع أفلام الكارتون إلى ألعاب الإنترنت الخاصة بالتسلية، لكن في المنطقة العربية هناك مشكلات أعمق تخص الدماغ، ولاسيما في مرحلة الطفولة، حيث الأطفال من خلال ثلاثة عقود بالحروب والعنف والسلاح، وفي بعض الأقطار العربية خضع الأطفال للتدريب القسري تحت سلطة الميليشيات حيناً وتحت سلطة «داعش» حيناً آخر.
إننا أمام معضلة في بناء مستقبل جيل كامل، وإن التخصيصات المالية والمعنوية مهما بلغت في مجال التنشئة والتربية والتعليم فهي قليلة لمواجهة واقع سيئ، والمسؤولية ليست من اختصاص وزارة عربية دون سواها وإنما هي مسؤولية حملة وطنية كبيرة يخصص لها جزء واضح من الإيرادات في كل دولة عربية، من أجل إعادة بناء إنسان كان هدف الجميع في التحطيم والاستغلال.
طفولة عربية تحت هذا الضغط العظيم من البلاء المتنوع ستنتج بلا أدنى شك جيلاً مبتلى بالعقد، أو جيلاً هجيناً من نور وظلام في أحسن حال، وإذا كانت مجتمعات متقدمة تعنى بالطفولة عناية فائقة وتعدها مقدسة لها هذا العدد الهائل من المصابين بالخرف؛ فماذا ينتظرنا..؟