بعد دوريات جمركية إلى سوق المهربات بيومين السوق تعود إلى ما هي عليه!
| عبد الهادي شباط
علمت «الوطن» من مصادر في الجمارك أن وزير المالية مأمون حمدان وجّه بالاهتمام بموضوع سوق المهربات الذي يقع على بعد 500 متر من مبنى مديرية الجمارك وسط دمشق، على خلفية ما نشرته «الوطن» حوله منذ أيام، وهو ما ترجم على الفور بتوجيه نحو 25 عنصراً من مكافحة التهريب، وتطويق السوق ومصادرة المواد والبسطات فيها كافة.
وخلال محاولة «الوطن» لمتابعة نتائج هذا العمل بشكل مفصّل وجدنا أن العديد من العاملين في الجمارك غير راغبين في التصريح عن الموضوع وتقديم أي معلومة، على اعتبار أن القضية بسيطة جداً، والسوق صغيرة جداً، علماً بأن الإشاعات كانت تحدث عن أن السوق قد تكون نافذة بيع لبعض عناصر الجمارك، بسبب قربها من مبنى المديرية وقدمها الذي يعود لسنوات طويلة دون أن تتعرض لأي مضايقات تذكر من عناصر الجمارك، ما اضطرنا للعودة مجدداً إلى السوق لتتبع ما حلّ بها بعد مداهمتها، لتكون المفاجأة بأن شيئاً لم يتغير، فالعمل عاد إليها بشكل طبيعي، وانتشرت البسطات وامتلأت المحال بالمهربات مجدداً.
وفي تفاصيل ما حدث، علمت «الوطن» من بعض أصحاب البسطات أن عناصر مكافحة التهريب حضروا للسوق وقاموا بمصادرة المواد والبسطات وتم توقيف نحو 20 شخصاً، وتم تنظيم قرابة 10 قضايا بحق أكثر من 30 شخصاً، إذ تعود معظم البسطات لشخصين أو ثلاثة يعملون بالشراكة بينهم على البسطة، وكذلك في المحل، علماً بأن معظم القضايا تمت المصالحة عليها فوراً أو في اليوم التالي، حيث تراوحت قيم المصالحات لكل قضية بين 1.5 إلى مليوني ليرة، على حين اشتكى أصحاب البسطات من عدم إعادة موادهم المصادرة التي تمت المصالحة عليها، معتبرين ذلك أمراً مخالفاً لحالة التسوية على المخالفة التي يشترط فيها إعادة المواد لأصحابها.
وإذا خرجنا من دائرة الجمارك واتجهنا نحو وزارة التموين، فلم يتم تسجيل أي حضور لدوريات الرقابة التموينية في هذه السوق، علماً بأن التموين هي جهة معنية إلى جانب الجمارك في متابعة مثل هذه المخالفات لجهة أن معظم المواد المعروضة في هذه السوق هو مواد غذائية ولا يحمل أي ترخيص أو ما يشير إلى سلامته أو خضوعه لتحاليل وفحوصات مخبرية تؤكد سلامته وقابليته للاستهلاك البشري، رغم أن التجارة الداخلية دائماً ما تلقي اللوم على المواطن لعدم الإخبار عن المخالفات على حين الحديث هنا عن سوق في وسط دمشق ومنذ سنوات.
وتبين لـ«الوطن» من خلال جولتها لأكثر من ساعة في السوق والحديث مع أغلب الباعة أن بعضهم يعملون مقابل أجرة لمصلحة أشخاص آخرين، وعلى ما يبدو هؤلاء يوفرون الحماية لهم. وهناك من أفاد بأن سيارات شاحنة مغلقة تحضر يومياً لهذه السوق وتزود أصحاب البسطات بما يمكنهم تصريفه خلال اليوم، على حين أكد مصدر آخر أن أصحاب هذه البسطات والمحال يعملون على التزود بما يحتاجون إليه من مواد من مستودعات أو محال كبيرة في أحياء أخرى من دمشق، على حين رجح أن تكون المستودعات الأم لهذه المهربات في محافظات أخرى خارج دمشق، وبعضهم يذهب يومياً إلى لبنان لتأمين طلبياته. مع التنويه بأن «الوطن» حاولت التواصل مع العديد من العاملين في الجمارك للتأكد من المعلومات ومعرفة رأي الجمارك حول ما يسجل من تقصير في هذا الموضوع لكن لم يرغب أحد منهم في التصريح، على حين أظهر مدير حماية المستهلك في وزراة التجارة الداخلية حسام نصر اللـه جدية بإرسال دوريات مباشرة للسوق وضبط المخالفات فيها، وذلك خلال تواصل «الوطن» معه.
الجدير بالذكر أن غاية متابعة ملف هذه السوق ليس التركيز على قضايا التهريب البسيطة، التي قد تؤمن مصدر رزق لعائلات فقيرة بحاجة إلى عمل بأي طريقة لئلا تلجأ إلى أمور أشد خطراً في تأمين لقمة عيشها، وإنما الغاية هي الاقتراب لفهم الآلية التي تدار فيها سوق كهذه، لكونها واحدة حتى في أكبر أسواق التهريب وشبكاتها.