لمصر الدور والتاريخ
| عبد المنعم علي عيسى
ربما يصح اليوم توصيف الدور السياسي الذي تؤديه مصر، كنمر مريض، لكنه يشعر بين الفينة والأخرى بأن عليه أن يقوم بما يُشعر الآخرين بوجوده أو يذكرهم بقوته.
شهدت مصر منذ كانون الثاني 2011 حالة قصوى من الاضطراب، وهي إلى اليوم لم تعرف الاستقرار بعد، حدث ذلك لاعتبارات عديدة ربما من أهمها الوضع الداخلي المأزوم انطلاقا من معضلات عدة تراكمت ولم يجر حلها، وفي الآن ذاته استهداف الخارج الذي استطاع النفاذ من خلال تلك التراكمات التي شكلت ثغورا من الصعب إغلاقها في خلال وقت قصير، ومن الجائز القول إن وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في تموز من العام 2013 أعطى حالة استقرار نسبية تنعم بها مصر حالياً، إلا أن ذلك لم يكن فقط بسبب طريقة التعاطي مع الملفات الداخلية أو الإقليمية بطريقة تكفل التخفيف من تداعياتها على الواقع المصري، وإنما كان يتأتى أيضاً انطلاقاً من عدم وجود قرار إقليمي أو دولي بتفجير الداخل أو التركيبة المصرية، وربما كان لهذا السبب الأخير الحيز الأهم في الحالة المصرية الراهنة.
من الواضح أن إدارة السيسي اتخذت، منذ إمساكها بالسلطة، سياسة الانكفاء إلى الداخل المصري، في محاولة للابتعاد عن النار الإقليمية المشتعلة في كل حدب وصوب، وفي الآن ذاته أبقت قنواتها مفتوحة مع ما يؤمن الحفاظ على التوازن الهش القائم في الأمن الغذائي، والذي وصلت حدوده إلى ما لم تصله في أي يوم من الأيام في التاريخ المصري الحديث، إلا أن ما جرى هو أن التطورات الحاصلة كانت قد دفعت بصانع القرار نحو مزيد من الانكفاء، حتى ليغيب تماما الدور الإقليمي المصري عن المشهد، والمشكلة هي أن مصر هي دولة دور وليست دولة موارد، والدور هنا هو ما يحدد الموارد وليس العكس، ونظرة سريعة إلى نمو وحجم الاقتصاد المصري وتهافت العقود والشركات عليه زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تؤكد هذه الحقيقة قياساً إلى نظيراتها زمن الرئيس الراحل أنور السادات ومن خلفه أيضاً، برغم الوعود التي أعطيت لمصر في حال سارت في المسار الذي ذهبت إليه، ويمكن النظر هنا في كتاب عبد الناصر والعالم لمحمد حسنين هيكل.
لا بد من التذكير بأن الانكفاءة المصرية بعيداً عن تداعياتها الداخلية سابقة الذكر، كانت على الدوام ذات تأثيرات كارثية تمهد على الدوام لحصول انهيارات في الجبهة العربية أو في مسار الصراع الدائر في المنطقة، ألم تؤد انكفاءة ناصر بعد قبوله بمبادرة وزير الخارجية الأميركي روجرز 1969 إلى استفراد الملك حسين بمنظمة التحرير الفلسطينية وسحقها في جرش الأردن في ما عرف بمجازر أيلول الأسود 1970؟ ولولاها لما تجرأ الملك على القيام بما قام به حتى ولو كان مدعوما من الأميركيين والإسرائيليين، الم تؤد انكفاءة أنور السادات وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978 إلى استفراد إسرائيل بسورية ولبنان وغزو هذا الأخير العام 1982 وصولا إلى بيروت لإخراج منظمة التحرير منها؟ ثم ألم تؤد انكفاءة الرئيس حسني مبارك إلى ذهاب الفلسطينيين إلى أوسلو 1993 ومن بعدها إلى شن إسرائيل عدوانها على غزة لأربع مرات في غضون خمس سنوات 2008-2009-2012-2014، وإن كان الأخيران قد حصلا في عهد محمد مرسي وعبد الفتاح السيسي على التوالي؟
حالة الانكفاء المصرية الراهنة سوف تؤدي إلى إطلاق ذات اليد السعودية في القضية الفلسطينية في ظل ظروف عربية عصيبة تكاد تصبح فيها قدرات العرب على المواجهة هي صفر، وفي ظل ظرف داخلي سعودي يدفع بصاحب القرار إلى بيع كل شيء لأجل تحقيق مرام شخصية.
تلاشى الدور المصري حتى بتنا نحتاج إلى من يذكرنا به، وإلا كيف لنا أن نفهم ما تسرب عن اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة في 19 من الشهر المنصرم والذي صدر عنه قرار بوضع حزب اللـه «منظمة إرهابية» على لوائحه، آنذاك تسربت تقارير تؤكد أن الديبلوماسية المصرية قد جهدت، ونجحت في جهودها، في التخفيف من لهجة البيان وفي استبعاد العديد من المفردات والجمل القاسية بحق الحزب!
هل بات الدور المصري اليوم ينحصر في العمل على تخفيف عدد وشدة الجلدات التي يمارسها الجلاد على الضحية؟