ثقافة وفن

من دمشق «تحية ذكرى زكي ناصيف» … شيخ الفلكور.. وأهزوجة الشرق الخالدة … تعاون مع الرحابنة وقدم لفيروز تسع أغان

| وائل العدس

أحيت الفنانة السورية سناء بركات والفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو عدنان فتح اللـه، أمسية غنائية بعنوان «تحية إلى زكي ناصيف»، على خشبة مسرح الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون.
وجاء هذا الحفل بمثابة تحية محبة ووفاء من السوريين إلى عملاق الأغنية اللبنانية الراحل.
وبدأت الأمسية بأغنية «يا عاشقة الورد»، من كلمات مصطفى محمود والإعداد الموسيقي لجورج طنوس، لتتبعها أغنية «حبايبنا حوالينا» في اعداد موسيقي لداني حداد.
وكان للأغنيات القليلة التي شَدَت بها السيدة فيروز للراحل ناصيف حصة في الأمسية، فقدمت «عَ دروب الهوى» و«عبالي لاقيك يا قمر» و«أهواك».
ومن بين الأغنيات الشعبية العديدة، قدمت بركات عملين من أشهر ما غنى هما «دقة ودقة ومشينا» و«حلوة ويا نيالها».
واختُتم الحفل بأغنيات وطنية، فغنت بركات «بلدي حبيبي» الإعداد الموسيقي لمهدي المهدي، وأغنية «يا بلادنا مهما نسينا» التي كان قد قدمها الراحل لماجدة الرومي.

والفنانة بركات حاصلة على إجازة في الموسيقا من المعهد العالي للموسيقا عام 2011 إضافة إلى إجازة في الفلسفة من جامعة دمشق عام 2012 وتابعت دروس الغناء مع مغنية الأوبرا آراكس تشكجيان، وهي مغنية في كورال الحجرة التابع لمعهد الموسيقا منذ عام 2008.
وهي مغنية في كورال الفرقة الوطنية للموسيقا العربية منذ عام 2006، ومغنية مع فرقة «تشيللي باند» منذ عام 2010 ومغنية في كورال «القوقويو» للترنيم السرياني مع نوري اسكندر.
شاركت مع كورال الحجرة في العديد من الحفلات داخل وخارج سورية منها في إيطاليا ودبي والجزائر كما شاركت مع نوري اسكندر في مهرجان مساحات شرقية كمغنية صولو.
الرعيل الأول

زكي من الملحنين الرواد، له أسلوبه الخاص المميز، إضافة إلى صوته الجميل المعبّر.
لم يكن في لبنان حتى النصف الثاني من القرن العشرين موسيقى وأغانٍ لبنانية مميّزة، بل كانت هناك ألوان من الزجل والعتابا والميجانا وأبو الزلف، يرددها الناس في لياليهم وفي أفراحهم وسهراتهم.
كانت اللهجة المصرية سائدة في مجال الغناء حيث انتشرت الأغنية المصرية في كل مكان.
كانت انطلاقة ناصيف الفنية مع مهرجانات بعلبك سنة 1957، كذلك مع فرقة الأنوار التي أطلقها سعيد فريحة سنة 1960.
لم يحِد خلال هذه المرحلة عن هاجس الفولكلور اللبناني الذي يراه غنياً، ويحمل في طياته قدرات وطاقات مهمة يمكن أن تستخدم في سبيل عمل موسيقي كبير… وكذلك الأمر فإنه يجد في هذا الفولكلور مؤهلات تجعله قابلاً للتطور ومماشاة العصر ولا سيما من الناحية الأوركسترالية.
ويعتبر ناصيف واحداً من الرعيل الأول من الملحنين اللبنانيين الذين واكبوا نهوض إذاعة لبنان في أربعينيات القرن العشرين، وما تزال أعماله مؤثرة في الموسيقى الشعبية اللبنانية.
قدّم أكثر من 500 أغنية ولحن وغنّاها بصوته أو بأصوات عدد كبير من المطربين.
ولد في بلدة مشغرة، أكبر مدينة في وادي البقاع الغربي في عام 1916. ومن صغره، شارك في الشعر والموسيقى الشعبية.
ألف ما سمي آنذاك «عصبة الخمسة» مع الأخوين رحباني، وحليم الرومي وتوفيق الباشا وفيلمون وهبي، وهدفهم كان الخروج على الغناء الشائع إلى محاولة اكتشاف لون من الغناء المحلي الذي يستمد من الفولكلور جمله اللحنية، في اعتبار أن الفولكلور خامات فنية قابلة للصقل والتطوير. ساهموا بإمداد إذاعة الشرق وإذاعة لبنان بالمواد الموسيقية والغنائية في الخمسينيات. وفي العام 1957 دشنت العصبة انطلاق «الليالي اللبنانية» الأولى في «مهرجانات بعلبك الدولية»، بعمل فولكلوري في عنوان «عرس في القرية». وفي تلك الليالي البعلبكية الأولى انطلقت الأغنية التي لحنتها وغناها الكورس: «طلّوا حبابنا طلّوا/ نسِّم يا هوا بلادي»، وكذلك أغنية «يا لا لا لا عيني يا لا لا لا»، اللتان غناهما لاحقاً وديع الصافي.
درس ناصيف الموسيقى في الجامعة الأميركية في بيروت، وانضم إلى فريق إذاعة الشرق في فترة الاحتلال الفرنسي، وساهم في إطلاق مهرجانات بعلبك الدولية.
وفي حياته المديدة ألّف موسيقى أغنيات لفيروز وصباح ووديع الصافي وماجدة الرومي وغيرهم، كما أدى شخصياً عدداً من ألحانه.
ومن أهم ما يشد اللبنانيين من مؤلفاته أغنية «راجع راجع يتعمر» والتي غناها خلال الحرب الأهلية والتي اعتبرت نشيداً يدل على صمود البلد في وجه الدمار. وما أثار استغراب العديد الأشخاص الذين يعتقدون أنه لا يمكن أن تنتج مواد جديدة لكبر سنه، أنه في عام 1994 ألف ألبوماً كاملاً لفيروز سماه «فيروز تغني زكي ناصيف».

ناصيف والرحابنة
لا ينتمي ناصيف إلى مدرسة الرحبانية الموسيقية التي مزجت الموسيقى الغربية والكلاسيكية بالطابع الشعبي اللبناني والنمط التقليدي القديم. بدلاً من ذلك، أبقى على المواد القديمة ولكن بروح جديدة متزاوجة مع تقاليد الضيعة اللبنانية.
ويقول ناصيف في أحد لقاءاته: الأخوان الرحباني كانا على علاقة جيدة بي. تعاونَّا معاً في أول مهرجان «بعلبك» ثم انفصلنا بناء على رغبة من عاصي الرحباني. وكانت بداية الانفصال تنفيذاً فنياً لتقديمهما مهرجان «مواسم العز» مع «صباح» التي كنا اقترحناها لمهرجان فرقة الأنوار. ثم عملنا على تقريب الأغاني الغربية الشائعة ولا سيما الراقصة منها إلى العربية وتوزيعها، بعدما طلب صبري الشريف من الأخوين الرحباني أن يقدما لي نحو عشر أغانٍ قصيرة على أنغام عربية راقصة. عندما بدأنا في مهرجانات بعلبك، كان الأخوان الرحباني قد جمعا كل الفولكلور، وأعادا تقديمَه بشكل جميل، وكان من غير المستحب أن أسير في الخط نفسه، فبحثتُ عن شيء جديد ووجدتُه في أهازيج ملحنة، ونظمت أغنيات على وزنها. اعتمدتُ الأهازيج التي لا ألحان لها، فأخذت منها إيقاعَها.. على سبيل المثال: استوحيتُ «طلوا حبابنا طلوا» من أغنية شعبية فكاهية تقول: قام الدبّ تَا يرقص، قَتَّلْ سبع تمان أنفس!

الفولكلور
ناصيف من رواد الفن القائم على الإرث الفولكلوري وخاصة في الغناء والرقص والدبكة. لم يسعَ إلى تطوير الفولكلور اللبناني، ولم يلتفت إلى ذلك بالمعنى التجريبي والتطويري، بل حاول التفتيش عن إيقاع شعبي وطريقة للأداء، كما عن طريقة يستمد منها نكهة تحاكي هذه الطريقة.
وما فعله هو أنه أضاف أشكالاً جديدة في الفن الفولكلوري تقترب من الحداثة والتطور. وإذا كان الرحابنة قد أبدعوا في استعمال مكنونات فولكلور أهل الجبل لقربهم من المجتمع الريفي في جبل لبنان، فإن ناصيف كان قريباً من فولكلور أهل السهل وتجاربه.
وبينما ركّز عاصي ومنصور على تبني هذه الألحان الشائعة، اعتمد ناصيف الأهازيج التي لا ألحان لها، فأخذ منها الإيقاع.
فبدلاً من أن يغني «الدلعونا» فضّل أن يبتكر عملاً ويضع «الدلعونا» فيه. وهكذا ولدت أغنية «طلوا حبابنا».
وكما قلنا أغنية «طلوا حبابنا طلوا»، استوحى لحنها من «قام الدب تا يرقص».

ناصيف وفيروز
قدم ناصيف لفيروز تسع أغانٍ هي «ع دروب الهوى» و«من يومْ تْغَرَّبْنا» و«أمي الحبيبة» و«أهواك» و«بناديلك يا حبيبي» و«فوقَ هاتيك الربى» و«ع بالي يا قمر» و«يا بَني أمي» و«سَحَرتْنا البسمات»، والقصائد كلها من تأليفه، عدا قصيدة يا بَني أمي التي أخدها من جبران خليل جبران.
ومن أغانيه الأخرى: طلوا حبابنا، أهلا بهالطلة، فراشة وزهرة، راجع يتعمر لبنان، مهما يتجرح بلدنا، اشتقنا عَ لبنان، رمشة عينك، حلوة ويا نيالها، تسألني الحسناء، دقة ودقة مشينا، ندي النسايم، هلي يا سنابل، ليلتنا، اشتقنا كتير يا حبايب، حبايبنا حوالينا، بلدي حبيبي.

متحف فني
توفي ناصيف في 10 آذار من عام 2004 إثر نوبة قلبية، بعد أن أغنى رصيد الموسيقى الشرقية بالكثير من المؤلفات الموسيقية والغنائية التي رافقت الكثير من الأحداث التاريخية والوطنية.
بعد رحيله بثماني سنوات، اتخذ القرار بتحويل منزله الواقع في مسقط رأسه ببلدة «مشغرة» إلى متحف يحتوي على أرشيف الفنان من مخطوطات موسيقية وألحان لم تبصر النور بعد، إضافة إلى أغراضه الخاصة التي رافقته طوال مشواره الفني من بيانو، نظارات، قلمه الخاص وأوراقه، كما الكرسي الخشبي الذي كان يهوى الجلوس عليه عند المساء ليتأمل «قمر مشغرة» الذي خصته السيدة فيروز بأغنية حملت اسمه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن