ثقافة وفن

يوم كان سوق الحميدية مركز «نيابة دمشق» … حكم المحتل العثماني دمشق من سوق الحميدية ثمانية وعشرين عاماً

| شمس الدين العجلاني

التاريخ بنى مدينة دمشق لتكون موطنه ومكان سكناه… ولو أننا قلبنا صفحات التاريخ لا بد أن نسمع صهيل الخيول الدمشقية، ونلمح سيفها الذي طاف العالم… مر على دمشق أمم وشعوب وقبائل.. غزاة وفاتحون.. لصوص ورعاع.. أدباء ومفكرون وعظماء، ورحلوا جميعاً وبقيت دمشق شامخة كقاسيونها، تنشر الحب والعشق.. الحضارة والفكر والدين.. وبقيت وستبقى الحصن المنيع تصون ياسمينها من رجز لصوص الليل والنهار..
لم تشهد مدينة كما شهدت دمشق، فما إن تذهب مملكة أو حضارة حتى تأتي غيرها، والمدينة الشاهد الوحيد على تلك الممالك في صعودها وهبوطها. لذا كان لدمشق قصص وحكايات، اختلطت فيها الأسطورة مع الخيال والواقع، حكايات تروى قد نبدأ بها ولا تنتهي..
في دمشق العديد من قصور الولاة والأمراء والحكام، وأغلبها اندثر بفعل الإنسان، فكان هنالك قصر الإمارة الفاطمية واسمه قصر الأبلق يقع مكان التكية السليمانية، وقصر الخضراء وهو قصر الحكم الأموي بجانب المسجد الأموي، ومكان بناء العابد في ساحه المرجة، كان هنالك قصر كنج يوسف باشا، ومكان ثانوية جول جمال كان قصر زيوار باشا العظم، وقصر الرئيس محمد علي العابد في سوق ساروجة «لم يزل قائماً بوضع يرثى له»، وقصر مصطفى باشا العابد في المهاجرين هدم عام 1976، وكان مكانه مقسم المهاجرين الحالي، وقصر الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري في منطقة دمر غرب دمشق «رمم وهو بوضع جيد» وقصر غازي مقابل مبنى وزارة الداخلية القديم في ساحه المرجة «لم يزل قائماً»، ومبنى وزارة الداخلية هذا، كان مقراً للحكم في دمشق يوماً ما، كما كان هنالك مبنى المشيرية «أو دار السعادة» مكان القصر العدلي الحالي، وأيضاً كان هنالك دار السعادة في سوق الحميدية، وكانت داراً للحكم بدمشق.. قصور زالت، وقصور بقيت..
في يوم من الأيام جاء المماليك إلى دمشق وتبعهم المحتل العثماني، وكان مركز الحكم في دمشق هو قصر دار السعادة الذي يقع في سوق الحميدية.

البداية
في ذاك الزمان كان قصر الولاة ونواب دمشق، في سوق الحميدية بدمشق وكان يطلق عليه «دار السعادة» « ومر على هذا القصر ولاة وطغاة.. علماء ومفكرون، وحكموا دمشق عشرات العشرات من السنين..
من دمشق وسوقها الشهير «الحميدية» ومن «دار السعادة» كانت تدار شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلى أن نقل قصر الحكم «دار السعادة» إلى مبنى المشيرية «مكان القصر العدلي الآن»، فكان مكاناً للحكام والولاة.. وأطلق عليه أيضاً دار السعادة.

دار السعادة
كانت دمشق في الزمن المملوكي تضم أربعة أماكن أو أبنية يدار منها الحكم وهي: قلعة دمشق ودار السعادة ودار العدل وقصر الأبلق.
أما دار السعادة فقد كانت قائمة في سوق الحميدية، وكانت دارا للملك الأمجد الأيوبي صاحب بعلبك ثم امتلكها الملك الأشرف. وفي العهد المملوكي أصبحت مقرا لنواب دمشق «حكام دمشق» وكان موضعها غربي التكية الأحمدية في سوق الحميدية.
وقد انتقل هذا الاسم «دار السعادة» من دمشق إلى بقية المملكة المملوكية فأصبح في كل من القاهرة وحمص وحماة وحلب دار السعادة. ثم انتقل هذا الاسم في زمن المحتل العثماني إلى البلاد التركية فسميت بعض قصور السلاطين دار السعادة. ثم أطلق على العاصمة استانبول (در سعادت).

نيابة دمشق
أطلق على جامع شمسي أحمد باشا، الموجود الآن في سوق الحميدية، عبر السنين الغابرة عدة تسميات، فقيل المدرسة الأحمدية، وجامع الأحمدية، والتكية الأحمدية، والآن جامع شمسي باشا..
وفي الأصل هو بناء مملوكي، وكان بجانبه «نيابة دمشق» بمعنى دار أو مقر الحكم لأعمال دمشق، واستخدمت «نيابة دمشق» من المحتل العثماني فترة زمنية طويلة، ورمم مبنى «نيابة دمشق» وإسطبلها من النائب جان بردي الغزالي الذي تولى النيابة عام 924 هجري وقد سكنها الغزالي نحو عام 1519م «926 هجري» وكان اسمها آنذاك دار السعادة. وقيل أيضاً إن دار السعادة كان موقعها غربي التكية الأحمدية.
قسمت بلاد الشام زمن الدولة المملوكية إلى سبع نيابات، وهي، نيابة دمشق، نيابة حلب، نيابة حماة، نيابة طرابلس، نيابة صفد، نيابة الكرك، نيابة غزة.
وتعتبر نيابة دمشق من أهم نيابات بلاد الشام وأعظمها، لأن نائب دمشق يضاهي النائب الكافل بالحضرة السلطانية، في الرتبة والألقاب والمكاتبة، والنائب الكافل بالحضرة السلطانية يعادل في أيامنا هذه منصب رئيس الوزراء، وكان في أغلب الأحيان يرقى النائب إلى منصب الملك أو السلطان، حين خلعه أو قتله أو وفاته.
كانت حدود «نيابة دمشق» في عهد المماليك كبيرة جداً، فهي تضم قسماً كبيراً من فلسطين ولبنان والأردن. حيث يتبع لها الرملة واللد والقدس والخليل ونابلس وبيسان والجولان والقنيطرة وجزء كبير من حوران وعجلون والصلت وصرخد وبصرى وبعلبك والبقاع وبيروت وصيدا وحمص ومصياف وقارة وتدمر والسلمية والميادين. وبهذا المعنى كانت دمشق زمن المماليك دولة كبيرة عظيمة، وكان النائب «نائب الملك أو السلطان» يقيم في دمشق، ويرسل عنه نواباً وأمراء إلى كل أعمال نيابة دمشق، عدا القدس، فإن الملك أو السلطان هو من يرسل إليها نائباً لمكانتها الدينية.
ونيابة دمشق أكبر وأهم وظيفة في الدولة آنذاك، بعد الأتابكية الكبرى بمصر..
وحسبما ورد عند ابن طولون، كانت تقام الأفراح في «دار السعادة» عند الانتصارات العسكرية، كما حصل عندما انتصر نائب دمشق على أمير العرب في حوران.
وجاء في بعض الكتب: إن دار السعادة هي دار أيوبية، لصاحبها عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب بن أخي صلاح الدين، الذي كان والياً على دمشق سنة 576هـ وكان من كبار القواد والمجاهدين، حارب الفرنجة وأبلى بلاءً حسناً في موقعة مرج عيون. وكان إضافة إلى شجاعته عالماً كثير الأدب مطبوع النظم والنثر وله أشعار كثيرة. لقب بعز الدين ومات سنة 578هـ (1182م)، ودفن بالتربة الفروخشاهية في الصالحية.
انتقلت «دار السعادة» بعد وفاة فروخ شاه، إلى ابنه الملك الأمجد، ثم اشتراها من ورثته الملك الأشرف وأوقفها على ابنته. وفي العهد المملوكي، تسلط الأمراء المماليك على ابنة الأشرف، فأثبتوا قصر عقلها، واشتروا منها أملاكها بأثمان تافهة، منها دار السعادة. ثم صار ينزل في هذه الدار نواب دمشق من المماليك، وقد رممت وأصلحت وجددت مراراً، والظاهر أن هذه الدار كانت مجاورة لدار العدل فأضيفت إحداهما للأخرى وأصبحتا بناءً واحداً، كما أنهما أصبحتا ملكاً للدولة. ومكانهما بين «التكية الأحمدية» جامع الأحمدية وبين «المدرسة القجماسية» في سوق الحميدية، ويرجح أن دار محمد باشا العظم والي الشام في أيام العثمانيين الأتراك كانت تقوم على قسم منها محمد أحمد دهمان».
بقيت دار السعادة في سوق الحميدية مقراً لحكم دمشق فهي مركز الحكومة وفيها يجلس النائب وأركان حكومته لبحث وإدارة شؤون نيابة دمشق إلى أن انتقلت إلى السرايا «مكان قصر العدلي اليوم » التي بنيت نحو عام 985 هجري ثم أصبحت مقراً لأمير الحج ودعيت بالمشيرية عام 1245 هجري.
وكانت دار العدل التي أنشأها نور الدين الشهيد محمود بن زنكي، قد ضمت إلى دار السعادة، وعلى أغلب الظن أن حكم دمشق من سوق الحميدية ومن دار السعادة استمر خلال زمن المحتل العثماني ما بين عامي 922 هجري إلى 950 هجري، فكان مقراً للولاة العثمانيين وهذا ما يؤكده محمد بن كنان الصالحاني، المتوفى عام 1153 هجري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن