قرار ترامب جريمة عصر تكرس العنصرية والإرهاب
| قحطان السيوفي
طوال حملته الانتخابية، صوّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب رؤية قاتمة وآفاقاً مُظلمة للانحلال الأميركي، مؤكداً شعار أميركا أولاً المشبع بالشعبوبة العنصرية، وبعث برسائل تثير قلقاً لدى حلفاء أميركا الأوروبيين والآسيويين.
رافعاً علم الحمائية، وعد ترامب بالتخلي عن التزامات أميركا والتنصل من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، وبناء جدار ضد المهاجرين المكسيكيين وإغلاق الحدود في وجه المسلمين، معتمداً الغرور الانعزالي برفض ضمني لدور الولايات المتحدة في النظام الدولي.
هناك بعض الحقائق الجيوسياسية التي لا يستطيع ترامب إنكارها، كفصل المصالح الوطنية لأميركا عن التزاماتها الدولية والتحالفات، والتقوقع، وستكون الشركات الأميركية من بين أكبر الخاسرين بسبب الانزلاق إلى النزعة الانعزالية الحمائية، وبالمقابل العولمة التي تم اختراعها في الولايات المتحدة تؤتي أكلها في الصين وفي دول أخرى منافسة من النواحي الجيوسياسية، ترامب في مأزق داخلي، تقوم لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بالتحقيق في ادعاءات بوجود اتصالات بين روسيا وحملته الانتخابية، ونزاع مرير مع أجهزة الاستخبارات والإعلام، وهو أقل الرؤساء شعبية منذ 40 عاماً، وفقاً لاستطلاعات الرأي، إضافة لتناقضات داخل طاقم إدارته، وأعلن رجل الأعمال الأميركي ترامب الذي أصبح رئيساً لبلد يدعي الديمقراطية والريادة في حقوق الإنسان، أن أميركا قررت أن تعتبر القدس عاصمة إسرائيل وأن ينقل سفارته من تل أبيب إلى القدس، لكن العالم كله أدان هذا الموقف.
الحبر الأعظم بابا روما، والأمين العام للأمم المتحدة، ورؤساء فرنسا وبريطانيا وايطاليا أدانوا القرار، روسيا والصين أعلنتا رفضهما للقرار وحذرتا من عواقبه، الدول العربية والإسلامية أدانت القرار.
قرار ترامب بشأن القدس مُشبع بالظلم والعنصرية والبله السياسيّ، ويشجع العنف والتطرف، ويشرّع الاحتلال، كما يُحرج حلفاء أميركا التقليديّين، العرب منهم، والأوروبيون، وهو يقدّم عيّنة عن السياسات الرخيصة، باستخدام مسائل كبرى لتذليل عقبات سياسيّة يواجهها الحكام في واشنطن وتل أبيب.
يشكل قرار ترامب صفعة جديدة توجهها إدارة ترامب إلى العالم وقوانينه وقيمه. إنه استخفاف بالقرارات الدولية التي صوتت عليها الحكومات الأميركية، وتجاهل لالتزامات أميركا من خلال رعايتها اتفاقات أوسلو التي تعهدت إسرائيل بموجبها بأن أي تسوية لمستقبل القدس يجب أن تتم بالتفاوض مع الفلسطينيين في مفاوضات الحل النهائي.
القرار يعتبر تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية، وهو مخالف للقرارات الدولية، خصوصاً القرارين 242 و338 اللذين يعتبران الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وبينها القدس الشرقية أراضي محتلة ومجلس الأمن أدان إعلان إسرائيل القدس عاصمتها الموحدة سنة 1980، والقرار وضع واشنطن في عزلة دولية لأنها لا تقيم وزناً للقانون الدولي ولا لقرارات مجلس الأمن، وذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» بتاريخ 7 كانون الأول الجاري أن قرار ترامب يعدّ نوعاً من التخريب الدبلوماسي الذي أضعف الولايات المتحدة أمام العالم، ووحد أعداء إسرائيل.
الترامبية تعني أن القوة العسكرية تتيح لها البلطجة، وفرض القرارات الجائرة، وتجاهل حقوق الشعوب والالتزامات الدولية، وإن الغلبة لشريعة الغاب التي يعتقد ترامب أنها لا تزال سائدة في العلاقات الدولبة، مثلما هي سائدة في نوادي القمار والملاهي والفنادق المتخصص بإدارتها.
أحد مواقع الدراسات الأميركية الرصينة وهو «ذاهيل» اعتبر قرار ترامب خطراً جداً لكونه يقدم دعما غير مسبوق للادعاءات الإسرائيلية للسيطرة على القدس، كما يعزز نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
القرار طوى صفحة طويلة من الدبلوماسية الأميركية المتأنية وإن كانت على انحياز إلى جانب إسرائيل، وسقطت ورقة التين التي كانت إلى الآن تغطي الموقف الأميركي الحقيقي. ولم تعد الولايات المتحدة وسيطاً مقبولاً أو نزيهاً أو مؤهلاً لأداء دور يؤتمن على القرارات الدولية، وكشف ترامب حقيقة موقفه العقائدي المؤيد للعنصرية والإرهاب الممثلين بإسرائيل.
الأوضاع التي يعيشها العالم العربي سهلت على ترامب اتخاذ مثل هذا القرار الذي تحاشاه الرؤساء السابقون، في ظل ما يعانيه عدد من الدول العربية من حروب وإرهاب فضلاً عن تأجيج الصراع المذهبي، وكانت إسرائيل المستفيد الأكبر من مشهد الخراب الذي يعم المنطقة العربية.
القدس تعتبر رمزاً جامعاً للعرب والمسلمين والمسيحيين، ولا يمكن لترامب أن يبدل بقراره هوية المدينة المحتلة، أو أن يفرض وقائع جديدة على الأرض، ولقد جازف بوضع المصالح الأميركية في دائرة الخطر والاستهداف، وصب مزيداً من الزيت على النيران المشتعلة في الإقليم، وسيؤجج مشاعر التطرف وسيذكر العرب والمسلمون والمسيحيون في العالم أن رئيساً متهوراً لدولة عظمى، تجرأ على طعن القدس، والغدر بها مستضعفاً العرب الذين «يتهاوش» بعض حكامهم على تدمير دول عربية بدعمهم وتمويلهم للتنظيمات الإرهابية.
ترامب ساعد إسرائيل في تزوير التاريخ، وكان راعياً لجرائمَ الجلاد الإسرائيلي، محاولاً شرّعنة الاحتلال وإرهاب الدولة، وسيُسجل التاريخ أن ترامب، دعم التنظيمات الإرهابية داعش وأخواتها بالتنسيق مع حلفائه في الشرق الأوسط، كما وقف مع إسرائيل التي تمارس العنصرية وإرهاب الدولة بأبشع مظاهره، ليصدر قرار الجريمة الخاص بالقدس.
ترامب يهرب إلى الخارج بقفزات بهلوانية كلما اقترب طوق القضاء الأميركي من عنقه، وهو بهذا القرار يحاول أيضاً تقديم طوق نجاة إلى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو المتهم بقضايا فساد، ويأمل ترامب بأن يساعده ذلك في أوساط اللوبي الصهيوني الأميركي للخلاص من التحقيقات التي تناله هو ومساعديه.
قرار ترامب جريمة عصر تكرس العنصرية والإرهاب، يضع الجماهير العربية أمام مسؤولياتها، لإعادة ترتيب الأولويات في مواجهة مؤامرة الفوضى الخلاقة الأميركية الإسرائيلية وحلفائهم في الشرق الأوسط من الحكام العرب الأغنياء المتخاذلين الذين يحكمون بأموالهم الملوثة ويدعمون الإرهاب ويقترفون جرائم بحق القيم والعدالة.
حان الوقت لتقول الجماهير العربية رأيها جهاراً ضد المتواطئين سراً وعلناً مع ترامب وحليفه نتنياهو بعد أن طارت الأوراق التي تستر عريهم.