في كرة القدم: لجنة الحكام العليا وقرارات مهمة … أهي للتطبيق أم لحفظ ماء الوجه؟
| ناصر النجار
أصدرت لجنة الحكام العليا لكرة القدم في اجتماعها الأخير قرارات مهمة للغاية بالبلاغ الذي صدر بلا رقم تاريخ 11/12/2017، ويأتي هذا البلاغ استجابة لما نشرته «الوطن» في الموضوع الذي جاء تحت عنوان: «أزمة التحكيم… حقيقة تحتاج إلى معالجة جذرية» في عدد الثلاثاء تاريخ 5/12/2017.
القرار الصادر عالج فقرة واحدة مما ذكرناه، لكن ما مدى نية لجنة الحكام لتطبيقه؟ وما قدرتها على تنفيذه؟
القضية أننا ماهرون بالتنظير والخطابات وإصدار القرارات، وينتهي كل شيء مع انتهاء الخطبة أو صدور القرار. حتى إننا لنظن أن مثل هذه القرارات أو الخطب الرنانة هي لتهدئة الشارع الرياضي أو مجرد (إبرة بنج).. على العموم فإننا لا نطلع على الغيب، ولا ندري ماذا سيحدث غداً، لكننا نأمل أن نرى الخطوات العملية قد بدأت بالظهور، وأن نرى نتائج القرارات على الأرض, ونتساءل هنا: أهذه القرارات للتطبيق، أم لحفظ ماء الوجه، وخاصة أن النية تتجه لتغيير اللجنة؟
ركن مهم
لماذا نتناول الحديث بشكل دائم عن الحكام والتحكيم؟ لأنه ركن مهم من أركان الكرة، فالحكام هم مصدر نجاح الدوري أو فشله، وعندما نشعر أن التحكيم لم يسلك الطريق الصحيح فإن أصابع الاتهام ستشير إلى لجنة الحكام بالتقصير لأنها المعنية أولاً وأخيراً بالعملية التحكيمية.
أتذكر عندما تولى جمال الشريف رئاسة لجنة الحكام العليا في نهاية التسعينيات من القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة كان همه التحكيم، فكان من رواد الملاعب في كل الدرجات، ويحضر مباريات الدرجتين الثانية والثالثة ليتابع الحكام من الدرجتين الأولى والثانية وينتقي الموهوبين، وكانت لجنته تفعل الشيء ذاته في كل الملاعب.
فالمراقبة عند لجنة جمال الشريف ليس تكليفاً وقبض أجور المراقبة إنما كانت مسؤولية وطنية، من خلال هذه الجولات على كل المباريات كانت لجنة الحكام تسجل ملاحظاتها على أداء الحكام، وتجمع الحكام في ندوات تتحدث فيها عن الأخطاء وتعمل على تصحيحها.
هذه هي الخطوة الأولى التي كنا ننتظر من لجنة الحكام العليا أن تقوم بها، لكن للأسف لا حياة لمن تنادي.
لا شك أن الأزمة أرخت بظلالها على كل مفاصل الرياضة، لكن التحكيم في كرة القدم وجدها فرصة لينام في أحضانها وليأخذ المبررات من أجوائها.
اللجان الفرعية
لجان التحكيم الفرعية في المحافظات كلها حبر على ورق، ومنذ سنوات لم نسمع صوتها ولم نسمع عنها شيئاً ويكفيها أنها تنتظر على الدور لتنال حصتها من مراقبة المباريات والسبب في ذلك قول الشاعر:
إذا كان رب البيت في الطبل ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
لذلك لابد من التحرك لجعل اللجان الفرعية للحكام عاملة وفاعلة وتمارس دورها الإيجابي في البناء والتطوير.
لدينا مجموعات عديدة من الحكام، لكن ينقصهم الاهتمام والمتابعة، والحكم كاللاعب إن لم يجد من يتابعه ويصحح أخطاءه ويطور مهاراته فسيبقى على حاله ولن يصل إلى الشهرة والنجومية.
لا أنكر أن التحكيم جهد ذاتي، لكنه يحتاج إلى الدعم والتدريب والتطوير.
وعلى سبيل المثال كانت اللجنة الفنية بدمشق تحجز تمرينين لحكامها أسبوعياً، وكان معهم مدرب لياقة بدنية، وكان الجميع يتدرب معاً بكل الفئات من حكم دولي إلى درجة ثالثة، فازداد حكام الدرجات الدنيا علماً وخبرة ومهارة من الحكام الدوليين.
هذه التمارين غابت لأسباب عديدة ويجب أن تعود في كل المحافظات.
من يصحح الأخطاء؟
الأخطاء الكارثية التي نراها في الدوري تتكرر مباراة بعد أخرى والسبب أنها تبقى على ما هي عليه من دون تصحيح، والأغرب أن مقيمي الحكام يتعاملون مع الأخطاء التحكيمية ضمن الأهواء الشخصية، والأهم من ذلك أن الغاية من التحليل التحكيمي هو الدفاع عن الخطأ التحكيمي.
لجنة الحكام يجب أن تقيم جلسة شهرية على الأقل للعمل على تصحيح الأخطاء عبر استعراضها، وسبق للجان التحكيم السابقة أن أقامت هذه الندوات يوم الأربعاء كل أسبوعين، لذلك كانت الأخطاء أقل ومساحة القرار التحكيمي الصحيح أوسع.
المشكلة لا تتوقف عند مباريات الدوري الممتاز، بل المشكلة أوسع في الدرجتين الأولى والثانية، ومشكلات التحكيم فيها مغفلة لأن صوت الأندية المظلومة لا يصل إلى أصحاب القرار.
الدعم أولاً
الكلام الذي كتبناه غير قابل للتنفيذ إلا إذا لقي الدعم، والدعم يجب أن يكون مادياً بالدرجة الأولى، فموضوع العمل التطوعي يجب أن نلغيه من قاموسنا ما دامت كرة القدم محترفة، فكيف اللاعب يقبض الملايين والحكم يقبض الملاليم؟ هي معادلة غير منطقية والحلول على الشكل التالي:
1- منح لجنة الحكام العليا تعويضات مالية شهرية، فلا يكفيها ما تجنيه من مراقبة المباريات ليكون عملها ناضجاً.
2- منح اللجان الفرعية مكافآت بدل أعمالها التي تقوم بها في مجال متابعة الحكام وتطوير العملية التحكيمية.
3- رفع تعويضات الحكام بما يتلاءم مع المستوى المعيشي.
4- رفع إذن السفر ليكون مواكباً لأجور المواصلات والإقامة.
من دون هذا الدعم لا يمكن لأحد أن يعمل وفق منظور التطور، وخصوصاً أنه يبحث عن لقمة العيش وأجرة البيت.
الحلول ليست عندنا، بل هي عند اتحاد كرة القدم، ونحن نسأل: أليس كرة القدم رياضة احترافية؟ ولماذا الاحتراف يطول اللاعب والمدرب فقط، بينما بقية مفاصل اللعبة هاوية، وستوصل كرة القدم إلى الهاوية إن بقيت كذلك!
شهادة تقدير
عضو اتحاد كرة القدم الحكم الدولي محمد كوسا وسبق أن عمل برئاسة لجنة الحكام أكثر من مرة في السنوات الثماني الماضية، أشاد بما تكتبه «الوطن» عن التحكيم في اتصال هاتفي مطول مسجل، وقال: إن ما تكتبه «الوطن» صحيح لدرجة ثمانين بالمئة، ونحن نمد يدنا للتعاون معاً من أجل رفعة العملية التحكيمية.
ونحن بدورنا نشكر الكوسا على كلماته وإشادته وهذا واجبنا المهني ليس إلا، ونأمل منه أن يعمل على دعم العملية التحكيمية والحكام لكونه ضمن مصنع القرار وأن يسعى لذلك ويبذل الجهد المطلوب مع بقية زملائه، فالهم أولاً وأخيراً هو التحكيم وتطوره.