ثقافة وفن

وجبة «انتقاد كوميدي» … الضحكة المرّة على الشاشة هل هي جرأة أم إسفاف أو تهريج.. وهل يتقن السوريون الضحك؟!

| سارة سلامة

تتجه أغلب المحطات التلفزيونية إلى اللجوء للبرامج الترفيهية والكوميدية الناقدة أو الساخرة، فالأسماء كثيرة تعددت وتنوعت واستنسخت، أما عن الفائدة التي ترجى من هذه البرامج فهذا ما كان محط أنظارنا، وما التأثير الذي يمكن أن تتركه في المجتمع، وهل هي حقاً تعكس واقع الشارع وتحقق له الشرط الترفيهي الذي يبحث عنه!، وخاصة أن المدقق في مضمون هذه البرامج يرى أننا أمام ظاهرة خطرة لم تلبث حتى بدأت بالتفشي من خلال استخدام مصطلحات وإيحاءات جنسية فاضحة ومبتذلة.
الأمر الذي يضعنا أمام مشكلة اجتماعية وثقافية إلى جانب تراجع الأخيرة وغيرها من الأمور العلمية إلى حد كبير وحتى إن وجدت فهي لا تعرض في وقت الذروة، وكذلك فإن المدقق في نوعية ما يقدم من البرامج الاجتماعية والموضوعات التي تطرحها نرى تركيزها على مواضيع خارجة عن المألوف وقصص غريبة تلفت لها الانتباه بكل ما تحويه من مبالغة في الطرح.

الممنوع مرغوب

كل هذه المحاولات يخلقها القائمون على التلفزيون لجذب الانتباه وتحقيق المشاهدة التي أصبحت من الأمور الصعبة بعد هيمنة «وسائل التواصل الاجتماعي» على المشهد ما تطلب من الشاشة الصغيرة بذل جهد كبير حتى تلقى رواجاً وسط الزحام.
ومنذ أيام بدأت إحدى القنوات اللبنانية ببث برنامج كوميدي انتقادي ساخر ويضج بالإيحاءات الجنسية من دون حسيب أو رقيب، والسؤال الأبرز هو أين ذهبت القيم والأخلاق التي ربينا عليها، ولماذا الممنوع أصبح مرغوباً ومسموحاً!!.
ولماذا نعمل على طمس القيم الجميلة؟ ونشجع هذا النوع من الطرح المبتذل الذي يحمل الكثير من الخطورة للأجيال القادمة حيث من الممكن أن نرى استخدامها مستقبلاً أمراً طبيعياً مع انعدام أي شعور بالمسؤولية وعدم المبالاة.

مشهد تمثيلي
ومع كل هذه البرامج المستنسخة نجد إعلامنا يقدم على خطوة تقليد للنسخة المقلدة أساساً ونراه يغرق في دوامة ويفقد أحد أهم المقومات وهو حس الدعابة والطرافة، ونجد البرنامج عبارة عن مشهد تمثيلي يحاول مقدمه ابتكار النكتة مع كل ما يحمله من ثقل على المشاهد، وبغض النظر عن تلك التجربة فنحن عند تقديمها نحتاج إلى مقومات مادية وإنتاجية كبيرة والاهتمام بالاستديو والإضاءة والديكور والتطرق إلى هموم المواطن بشكل مقرب، لأن ذلك يلعب دوراً مهماً في صناعة هذه البرامج، وربما لو اشتغل عليه بطريقة أفضل كان سيلقى ترحيباً ونجاحاً، ولو كان المقدم يحمل مثلاً نوعاً من طرافة أيمن رضا وخفة باسم ياخور، ولو عمل عليه بطريقة لا تستخف بعقل المشاهد ولا تعتمد التهريج من أجل كسب المشاهدين كان بكل تأكيد سيحمل نجاحاً محتماً.

سم قاتل
وربما يعود السبب الرئيسي في انتشار هذه البرامج إلى هروب المواطن العربي من الوجبات السياسية الدسمة التي تضخ على مدار الساعة من تحليلات وأخبار وضيوف وحوارات أو ربما لم يعد على قناعة بالسياسة، فكان الملجأ هو البحث عن مادة خفيفة ترفيهية تقدم نوعاً من الراحة النفسية وتعطي دفعةً من الطاقة الإيجابية، فأصبحنا أمام سم قاتل يدخل بوجباتنا دون أن ندرك مدى خطورته وتأثيره، فالنقد الكوميدي الساخر والمبتذل الذي يلامس الخصوصية لا يعتبر نقداً بناءً، ولا ننسى أن الشاشة قد تكون شريكاً في بناء الوعي عند الأطفال إضافة إلى البيت والمدرسة فالألفاظ الممنوعة وغير المرغوبة أصبحت متاحة على شاشة التلفاز، وهذا ما يدفعنا للقول كان اللـه في عون المشاهد على كل هذه الباقات المستنسخة والمهجنة.

شتان بين الجرأة والإسفاف
وفي استطلاع لعدد من الشخصيات يقول الدكتور عصام التكروري: بأنه «لا شك من أن الترفيه والمتعة أمران أساسيان في أي برنامج يوجه إلى شريحة واسعة من الجمهور، باعتبار أن الشريحة الواسعة من الجمهور العربي هي شريحة ذات ثقافة محدودة، ولكن من الأهمية بمكان أن تترافق هذه المتعة والترفيه مع الفائدة وهي تأتي من خلال التركيز على القيم التي ترتقي إلى حد ما بمستوى ثقافي في المجتمع، كما أن الطابع الكوميدي لا يجوز أن يلغي طابع تسويق قيم يستفيد منها المجتمع، وهذا ما كنا نلاحظه بشكل أساسي في إذاعة دمشق بحقبة الخمسينيات والستينيات وعندما نسترجع اليوم بعض البرامج نجد أن الطابع الترفيهي ممزوج بالفكاهة والمتعة والفائدة مع التركيز على بعض القضايا والظواهر السلبية في المجتمع وكيفية معالجتها».
وأفاد التكروري: بأنه «من جهة أخرى يجب أن نميز بين قضيتين في هذه البرامج الأولى مسألة الجرأة في الطرح، والثانية مسألة الإسفاف في الطرح واعتقد أنه كل ماله علاقة بتحطيم جملة من التابوهات التي تعوق التقدم في المجتمع هي مسألة مهمة، ولكن الوصول فيها إلى درجة الإسفاف هذه مسألة تخرج عن إطار الثقافة وتدخل ضمن إطار شيء ليس له علاقة بالمستوى العادي من الأخلاقيات التي يجب أن تتوافر في هكذا برامج، وأؤكد أن هناك فرقاً بين الجرأة والإسفاف علماً أننا اليوم بحاجة إلى البرامج الجريئة، ولكن هذه الجرأة لا يجب أن تقتصر في عملية نقد الأداء السياسي مثلاً أو الأداء الاقتصادي ونقد الأشخاص أو المؤسسات ولكن أيضاً من خلال نقد جملة من العادات التي نستطيع القول: إن مجتمعنا قد اكتسبها من مشكلة الحرب مثلاً وإنها ساهمت بشكل أساسي في هبوط الوعي لدى عامة الناس».
وبين التكروري: أنه «من المتابعين لهذه البرامج في القنوات الفرنسية والإنكليزية وهم استطاعوا أن يمزجوا بين المتعة والفائدة وبين التسويق لجملة من القيم يبدو أنها استطاعت أن تؤثر في المجتمع وتحاول بشكل أساسي أن ترتقي به، هذه القضية لها علاقة بالثقافة وهي أهم قضية يمكن التركيز عليها لنستطيع أن نصل لهكذا برامج وبتقديري يجب أن تكون لدينا قراءة عميقة لواقعنا وطريقة ذكية في انتقاد هذا الواقع».

العمل المبدع هو العمل المتفرد
من جهته أكد الأستاذ في كلية الإعلام الدكتور عربي المصري: أن «هذه البرامج الساخرة هي برامج مؤثرة باعتبار أن الجمهور يحب أن يتلقى المعلومة أو المادة المعرفية أو التوضيحية بطريقة ساخرة لأنها الأقرب إلى القلب والنفس، وتعتمد بشكل كبير على شخصية مقدمها وعلى الأسلوب التهكمي، والإعلام السوري عرف هذا النوع أولاً عبر الصحافة الساخرة ومنها (جريدة المعارف، والحمارة، وسماع وسطح، وحط بالخرج)، ولكن هذه الصحافة اندثرت بكل أسف لأنها تحتاج إلى كتّاب وأخصائيين، ووصلت إلى التلفزيون نتيجة لجماهيريتها التي حققتها في وسائل الإعلام المطبوعة، فإذا كانت شخصية مقدم البرنامج قريبة من القلب وخفيفة ومحبوبة وكان لديه قبولية من نفوس الجمهور هذا ما يجعل البرنامج ناجحاً ويحقق له جماهيرية كبيرة، والأمثلة على ذلك كثيرة ابتدأت مع الإعلام الغربي ثم انتقلت كنماذج تقليدية إلى الإعلام العربي، وأثبتت شخصية بعض المقدمين العرب كفاءة في نقل هذه البرامج مثل: برنامج البرنامج لباسم يوسف، الذي استفاد من خفة دمه وأسلوبيته الخاصة في تحقيق جماهيرية كبيرة وصنف من أكثر 100 شخصية مؤثرة في الوطن العربي».
وأوضح المصري: أن «المشكلة الكبيرة في البرامج الساخرة أن النسخ التي قلدت فيما بعد بدأت تتكلم في العموميات بدلاً من ملامسة مشاكل الناس وهذا شيء واضح في بعض برامجنا المحلية، والتي يعتقد البعض أنها تتحدث بشكل ساخر فيما يتعلق بقضايا الناس ومشاكلهم ولكن في الواقع هي تتحدث بشكل عام غير محدد وهذا ما يقلل من قربها من مشاكل الناس وهمومهم، وبعضها تتقرب من الناس باجتياز الخطوط الحمراء الخاصة بالقيم والسلوكيات في المجتمع في محاولة لاستخدام الكلام والمصطلحات الخادشة للحياء وذلك لإثارة إحساسهم ومشاعرهم بطريقة سطحية، وأخيراً سيكتشف المشاهد أن هذه البرامج خارج الإطار المجتمعي وبالتالي خارج المصلحة العامة، لأن السخرية الحقيقية هي السخرية التي تنتقد وتلامس هموم الناس والذي يولد السخرية هي المباشرة في الطرح ويولدها أيضاً الرمزية الضاحكة التي تتناول قضايا المجتمع الحساسة بأسلوب غير مباشر، والخروج عنها في محاولة مثل الذي يتحول من ميلو دراما إلى ميلو دراما، ونكتشف تباعاً أن هذه البرامج غير مؤثرة».
أما عن البرنامج المستنسخ على شاشتنا فقال المصري: إن «المتابع للبرنامج المستنسخ على شاشاتنا يلاحظ أنه ما من كلام كبير فعندما أقول «ياعيبو» على ابن المسؤول أو «ياعيبو» على الذي يشفط ولا يقف على الإشارة فهذا كلام عام وليس خاصاً، والشكوك الحقيقية تكون في الإشارة إلى ما يمس الواقع الحقيقي وليس الواقع العام الذي يمكن لأي شخص أن يتكلم عنه، ويؤخذ على النسخة المحلية حجم التقليد الكبير، وليس من الخطأ أن يتناول نفس الطروحات ولكن الشكل الأساسي هو التوجيه، وهناك ملاحظات عدة على البرنامج ومن الممكن أن نعمل برنامجاً ساخراً من دون أن أقلد النسخة العربية بحذافيرها والتي تفقده الكثير من الخصوصية، وبرأيي أن العمل المبدع هو العمل المتفرد قولاً واحداً، وطالما أنني فرطت بهذا الجزء فأكون قد فرطت بجزء كبير من الإبداع، ويسجل للبرنامج أنه يطرح شكلاً جديداً لم يكن قبله مطروحاً في الإعلام السوري لكن ما يسجل عليه أن يحاول الخروج من عباءة الآخر ويحاول التجديد وألا يدخل ضمن العموميات ويعمل على السخرية السطحية ومن الممكن على القائمين على البرنامج نفسه تعديل بعض الأساسيات وأتصور أنهم قادرون على حلّ هذه المعادلة والوصول إلى عمل أفضل».
أما بالنسبة للبرامج الثقافية فبين المصري: بأنه «لا تراجع من ناحية الكم وخاصة أن لها أنواعاً وأشكالاً عديدة ولكن المشكلة الحقيقية في الشكل الذي تقدم به من خلال الأشكال الروتينية التقليدية التي ملها الجمهور وهذا ما يسبب عائقاً بينه وبين هذه البرامج، ومن المفترض أن يكون العرض جذاباً وفي الوقت نفسه أن يكون البرنامج مفيداً وثقافياً ويقدم الفائدة والمتعة بوقت واحد».

وسيلة لتقديم معلومة
ومن جانبه يقول الإعلامي فراس خربوطلي: «إن الإعلام له رسالة وهي رسالة إنسانية تخدم الشارع والتوجه العام للإعلام يحاكي المتلقي سواء عن طريق الإعلام المرئي أو المسموع والمكتوب، كما أن الإعلام وسيلة لتقديم معلومة وهدف وهذه المعلومة هي التي تقودنا إلى هدف سواء أكان هذا الهدف من الناحية المعرفية أم من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية، وبالطبع نستطيع إيصال هذه المعلومة عن طريق الكوميديا لأنها أسهل وأسلس للمتلقي، وفيما يتعلق بالبرامج الكوميدية والساخرة وحتى الأنواع الاجتماعية والسياسية لها زوايا ساخرة تريد من خلالها إيصال هدف وهو عبارة عن معلومة تقودنا إلى توعية، ولكننا لا نستطيع أن نقدم إعلاماً ساخراً بهدف الفكاهة فقط، بل يجب أن يكون هناك رسالة لتؤدي الغرض من البرنامج، لأن الهدف من الإعلام تقديم معرفة للجمهور أو القاعدة الشعبية على المستوى الداخلي أو المحلي والإقليمي أو الخارجي».
وأضاف: إن «هناك بعض البرامج تحول النظرة الإعلامية من نظرة كوميدية ساخرة إلى نظرة لا ترقى إلى مستوى الإعلام مثل البرنامج الذي يعرض على إحدى القنوات اللبنانية والذي يقوم بعرض عدد من الفتيات في الاستديو ويقدم فكرة معينة وبعدها يدخل شاب على هذه المجموعة ليختار واحدة منهن وتخرج معه، فما الغرض الأساسي من هكذا برنامج ومن غيره والرسالة التي يريد إيصالها، ربما الهدف الوحيد هو تقديم صورة سيئة عن الوطن العربي، والإساءة لمهنة الصحافة وتنشئة العقول الشابة واليافعة والأطفال في بيئة مؤذية تؤدي إلى تكسير عقولهم، كما أنها لا تهدف إلى شيء ولا تقدم أي معلومة أو إفادة».
وأعرب أخيراً: عن أمله بأن يتطور الإعلام الوطني السوري «لأن هذا الإعلام لديه خامات واعدة ومشرفة ولكن تقليدنا للبرامج المستنسخة هي محاولة بأبسط الإمكانات لإيصال صوت الشارع بطريقة كوميدية وبطريقة مقربة من الناس، ولكنه حقيقة لم يستطع أن يأخذ خصوصيةً تميزه، لذلك فإن عليه أن يتمتع بشيء خاص ومختلف ليتميز عن غيره ويكون متماسكاً ويتمتع بحبكة من بدايته وحتى النهاية ومترابطاً بتقاريره وتقديمه وضيوفه».

بعيد عن عقلية الإعلام السوري
وفي حديثنا هذا توجهنا إلى أحد معدي برنامج «كلام كبير» الذي عبر عن رأيه: «إن هذا النوع من البرامج يعتبر التجربة الأولى في إعلامنا السوري، ووظيفته الأساسية هي الترفيه وهذا شيء بعيد عن عقلية الإعلام السوري، فهو إعلام جديّ وجاف وناشف، وهذا البرنامج مطلوب منه أن يحقق ميزة الترفيه ضمن عقلية هذا الإعلام الذي يعتبر أن هذا النوع من البرامج بلا أهداف، ولنكسب تأييد المشاهد السوري حاولنا التقرب منه وكان الشق الخدمي خيارنا، وفي فقرة الأخبار التي نفتتح بها البرنامج غالباً ما يكون أغلبها أخباراً خدمية، لذلك ضمن هدف الترفيه والكوميديا لامسنا هموم الناس وأدخلنا الشق الخدمي بالشق الكوميدي بما يسمى الكوميديا السوداء».
وأضاف: إن «المقدم في طبيعة الحال لديه ضعف وحاولنا التعامل معه لنخرج بأفضل صورة ممكنة علماً أنه يعمل كثيراً ليطور أداءه وهذا شيء واضح من حلقة إلى أخرى، وبالتالي لدي نص قوي جداً ومقدم متوسط الأداء فالنتيجة يجب أن تكون مقبولة».
لاشك في أننا بحاجة إلى برامج ترفيهية، لكن من النوع الذي يقدم الفائدة، ويتمتع بالخصوصية والابتكار، فهل يعد برنامجاً ناجحاً ذلك الذي ينتقد من المتخصصين في جوهره، والذي يتبرأ من نتائجه صانعوه؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن