على ماذا يعمل الغرب والصهاينة الآن؟!
| عبد المنعم علي عيسى
من المؤكد أن طبيعة الأفكار السائدة في أي مرحلة من المراحل، وفي أي مجتمع من المجتمعات، هي التي تحدد الحالة الثقافية والمجتمعية والسياسية أيضاً، إذ لطالما كانت السياسات التي تتبعها الأنظمة هي بالتأكيد نتاج طبيعي للمزاج العام السائد لدى شعوبها ولمجموعة القيم والمعتقدات التي تتحدد عبر وصول فكر معين إلى ذروة يصبح فيها هذا الأخير طاغيا على ما سواه.
تقول الأدبيات الإسرائيلية: إن العرب في مطلع القرن العشرين لم يكونوا معادين للهجرة اليهودية إلى فلسطين، ولا لفكرة قيام دولة يهودية فيها، وفي ذاك يقول إلياهو ساسون ابن السياسي والمنظر اليهودي الشهير موشي ساسون، نقلاً عن أبيه: إن من قابلهم من المسؤولين السوريين والأردنيين في المؤتمر الوطني السوري المنعقد في باريس العام 1919 كانوا يرون أن من واجب العرب واليهود أن يتحدا بوصفهما حركتا «تحرر عالمي» تسعيان إلى نيل مطالبهما، ومن ثم يضيف: إن اللقاءات كانت قد استمرت إلى ما بعد نيل العرب لاستقلالهم، وهو يسمي من قياداتهم الرئيس السوري السابق حسني الزعيم والملك الأردني عبد اللـه الأول وآخرين.
كان ذلك، يضيف ساسون الابن نقلا عن أبيه، قبل أن يستطيع مفتي القدس الشيخ أمين الحسيني إحداث تحول عام في الوعي العربي فيما يخص النظرة إلى الدولة اليهودية، الأمر الذي أدخل المنطقة في أتون صراع دام وشهد العديد من الحروب وإراقة الدماء لعقود ولم تنقض فصوله حتى الآن.
عندما حدثت الاختراقات في الجدران العربية، بدءا من الجدار المصري في العام 1978، وأورد الباحث المصري توحيد مجدي، وثيقة مهمة في كتابه «أسرار السادات» تعرضت لاتفاقية سلام مصرية إسرائيلية جرى توقيعها في العام 1975 وهو أمر غير معلن حتى الآن، ومن ثم لاحقاً في الجدارين الفلسطيني والأردني 1993-1994 على التوالي، من دون أن تنجح المحاولات في إحداث اختراق على الجبهة السورية التي ظلت عصية على سيناريوهات كهذه، نقول عندما حدثت تلك الاختراقات، وبمرور زمن ليس بالقصير عليها، وجدت غرف صناعة القرار الغربية والإسرائيلية أنها لم تستطع أن تحقق لدولة إسرائيل المزيد من الأمان والاستقرار، بل ربما أضحت المخاطر التي تهدد هذه الأخيرة تفوق تلك التي كانت قائمة قبل توقيع معاهدات السلام سابقة الذكر، وكل ما فعلته هذه الأخيرة هو أنها نقلت الصراع من حيز الدول والأنظمة إلى حيز الصراع مع الشعوب، وبمعنى آخر هي لم تستطع نسف أفكار أمين الحسيني، ولذا فقد تقرر العمل على تفكيك تلك المرتكزات التي تقوم عليها أفكار هذا الأخير.
المهمة ليست سهلة وهي تحتاج بالتأكيد إلى أحصنة طروادة داخلية يمكن أن تمثلها شرائح من المثقفين والنخب، وكذا طبقات ترتبط مصالحها بالغرب مباشرة، ولذا فقد جرى العمل على تأسيس العديد من المنابر الفكرية والنوادي الثقافية التي تهدف إلى إحداث تحول تدريجي يشق طريقه قدما نحو صورة متكاملة تغيب فيها حالتا الصراع على المستويين الرسمي والشعبي، ومن الممكن تتبع هذا المسار عبر ما يطفو من محطاته على السطح، ومما يطفو مثلاً، هو الطريقة التي تم التعاطي بها مع الأديب نجيب محفوظ، فقد جرى تسويق أفكاره التي تريد لمصر أن تعود إلى تاريخها الفرعوني بقوة، وهو لم ينل جائزة نوبل للآداب إلا عندما كتب روايته «أولاد حارتنا» التي تعرض للأزمات التي يعانيها اليهود في المجتمعات العربية، على الرغم من أن تلك الرواية كانت حالة متدنية من الإبداع قياساً إلى تاريخ محفوظ المملوء بشتى أنواعه، ثم جرى العمل على تسويق أفكار عضو الكنيست الإسرائيلي السابق عزمي بشارة الخاصة بالواقعية السياسية، وإحداث مركز للأبحاث والدراسات الإستراتيجية له يعمل على نشر أفكاره ومده بالمال اللازم لاستقطاب الكثيرين ممن يخدمون في هذا الاتجاه.
تبين أن هذا المسار يعاني الكثير من العثرات التي يعود بعضها إلى مناعة لا تزال مختزنة في بعض أركان الجسد العربي فيما بعضها الآخر يعود إلى ضعف في كفاءة الأدوات المستخدمة وقدراتها الذاتية، ولذا فقد تمت الاستعانة بكفاءات خارجية وجيء ببرنار هنري ليفي الشهير بعراب «الربيع العربي» الذي لم يستطع أن يحقق أكثر مما حقق أسلافه من النجاح.
هذا الفشل لن يعني أن المخطط سوف يجد مساره إلى الحفظ أو الأرشفة، وإلى أن يحقق هذا الأخير بعض النجاح سيبقى القلق الإسرائيلي والغربي هو الحالة السائدة، فالتوازنات القائمة راهنا لن تدوم هكذا وهي سوف تتغير بالتأكيد نحو مآلات لن تكون في مصلحة إسرائيل.