عبد اللـه عبد.. القاص المنسي … يوسف: نتحدث عن رجل قادم من المستقبل.. وعناوين كتبه عن الطيور تعبر عن رغبته في الانعتاق
| سارة سلامة- تصوير- طارق السعدوني
تختتم ندوة الأربعاء الثقافية آخر نشاطاتها بعد اثنتي عشرة ندوة قدمت خلالها السير الذاتية لأبرز اللامعين السوريين وسلطت الضوء على أعمالهم مستعرضةً أهم إنجازاتهم، وهي لم تكتف بذلك فقط بل قامت بإصدار كتب خاصة بكل ندوة وذلك لزيادة التوعية بهؤلاء السوريين، فمن نزار قباني إلى عبد السلام العجيلي ومحمد الماغوط وغيرهم، كان الختام مع القاص السوري ابن مدينة اللاذقية عبد اللـه عبد في ندوة حملت عنوان «عبد اللـه عبد.. القاص المنسي»، وكان عبد قد استقى قصصه من الواقع الذي عاشه وتدور أغلبية قصصه حول التناقض الاجتماعي والإنساني والجشع واقتناص اللحظات السعيدة.
وكتب «عبد اللـه عبد» (38) قصة قصيرة جمعت في ثلاث مجموعات هي «مات البنفسج» و«النجوم» و«السيران» و«لعبة أبناء يعقوب»، كما كتب (48) قصة للأطفال جمعت ضمن مجموعتين قصصيتين هما «العصفور المسافر» و«الطيران الأول».
وأكد مستشار وزير الثقافة نزيه الخوري أن «وزارة الثقافة تعتبر هذه المبادرة الأولى بالنسبة لعبد اللـه عبد، وسبق لها أن جمعت أعماله، لذلك تعتبر هذه المبادرة مهمة في الندوة لتسليط الضوء على إنتاجه ووضع الجمهور بهذا الإنتاج وغزارته وأهميته للمكتبة العربية، فعبد قدم للمكتبة العربية قصصاً قصيرة غنية خلال فترة وجيزة من عمره لأنه توفي وعمره 50 عاماً».
التحرر من واقعه البائس
وتناول حسن م. يوسف الشق المتعلق بـ(الطفولة عند عبد اللـه عبد) حيث قال: إنه «لو أتيح لي أن أختار عنواناً لهذه المرحلة لجعلته:(عبد اللـه عبد رجل قادم من المستقبل)، ولو أتيح لي أن أعيد النظر في العنوان المعتمد نفسه لجعلته (أدب الأطفال عند عبد اللـه عبد)، لأن الطفولة موجودة في جل إبداعاته، ويرى سلفنا الصالح أن الطفل هو ثمرة القلب، وأدب الأطفال قديم قدم قدرة الإنسان على التعبير، وهو يدخل في صنع البشر ويعتبر (من أقوى الدعامات في بناء الإنسان).
وأضاف يوسف: إن «عبد انتقل في العام 1960م إلى إدارة التبغ في اللاذقية حيث عاش حياة العمال وتعرف إلى شقاء من نوع آخر، وفي هذه المرحلة أراد أن ينجز ما حرمته الظروف منه، فسجل في كلية الفلسفة في جامعة دمشق، وتابع الدراسة في البيت من دون أن يتوقف عن العمل في الريجي إلى أن تخرج في كلية الفلسفة عام 1966، غير أنه لم يعادل شهادته في العمل، فظل وضعه الوظيفي على حاله إلى أن وافته المنية إثر نوبة قلبية، قبل أن يتم الخمسين من عمره في صبيحة الرابع من أيلول عام 1976».
وأشار يوسف إلى أن «أول ما استوقفني عند قراءة المجموعات القصصية الثلاث التي كتبها عبد للأطفال، العناوين التي اختارها لها، فقد حملت المجموعة الأولى عنوان (العصفور المسافر)، كما حملت المجموعة الثانية التي صدرت بعد وفاته عنوان (الطير الأول)، وكلا العنوانين له علاقة بالطيور والطيران، ولعل هذا يعبر بشكل غير مباشر عن رغبة المبدع عبد في الانعتاق من قيوده الأرضية والتحرر من واقعه البائس، وفي مجموعته الأولى للكبار (مات البنفسج) يعبر عبد عن معاناة الأطفال، ويتجلى هذا الأمر بوضوح في قصته (متاعب رتيبة)، فبطلة هذه القصة طفلة في الثامنة من عمرها، تدعى رتيبة، والدها صياد سابق، تحوّل إلى سكير عاطل عن العمل، لذا تُلزمها أمها في يوم شتوي قاس بيع الكعك والحلوى على باب مدرسة خاصة للراهبات من خلال فجوة قرب الباب، وتعاني الفتاة من الجوع الشديد والبرد القارس، والحق فإن قصة (متاعب رتيبة)، تذكرنا بما جرى مع الأديب الكبير نجيب محفوظ، لما رأى طفلاً يبيع الحلوى عند إشارة المرور، فبكى ثم كتب: (وأحلام الأطفال قطعة حلوى.. وهذا طفل يبيع حلمه!)».
لم يكتب حرفاً لم يعشه
وتحت عنوان (عبد اللـه عبد من القصيرة إلى الرواية) تحدث الدكتور عاطف بطرس قائلاً: إن «عبد اللـه عبد هو كاتب قصة قصيرة شديد الانغماس بالواقع والقضية الاجتماعية أبرز مكونات نصه السردي، وترك بصمات واضحة في القصة القصيرة في سورية، لأنه لم يكتف بالموضوع والمحتوى الذي عالجه، وإنما استقدم أحدث تقنيات السرد والحكاية، وعبد ابن الفقراء الوفي لهم ولقضاياهم حيث تبنى كل ما يطمحون إليه، وهو لم يكتب حرفاً لم يعشه، ولكنه لم يكتبه كما عاشه».
وأضاف بطرس: إن «عبد كاتب واقعي رومانسي ولا نجد تعارضاً بين واقعيته ورومانسيته، ولم تغره اللغة المتعالية بوصفها مصفوفات إنشائية وإنما اهتم بالبنية النصية، ولم يأخذه الشكل بمعزل عن المضمون، وبقي وفياً للعلاقة الوطيدة بين الشكل والمضمون، وكتب رواية واحدة وربما لو أن الحياة أمدته بمزيد من الوقت لكتب أعمالاً أكثر تميزاً، لكنه كاتب معروف من المؤسسات النقدية ومن المهتمين ولم يكن منسياً، وهناك مسافة كبيرة بين الانتشار والقيمة الفنية، فالانتشار ليس قيمة فنية والفن ليس بانتشاره، بل الفن بما يقدمه من إنجاز جمالي، وما يقدمه من معرفة للناس، والأدب فائدة ومتعة».
وأشار بطرس إلى أن «مجموعته التي حملت عنوان (مات البنفسج) تضم عدة مستويات من القصص، أهمها القصة الخالدة التي تدخل الأدب العالمي من دون مقدمات هي (الرجل والعربة)، فهي قصة محكمة البناء وشديدة التماسك تعتمد طريقة التداعي، فالرجل عندما يصاب ويرهق لا يستطيع أن يصل بالعربة ولكنه يجاهد ويكابر إلى أن يصل إلى غايته، وهذا يذكرنا بالصياد في رواية (الشيخ والبحر)، وفي الكثير من القصص برع عبد في التعبير عن القضايا الاجتماعية، وفي مجموعته الثانية (النجوم)، قصة (البغل) الشهيرة التي استطاعت أن تتجاوز ذاتها، والقصة التي بنى عليها لاحقاً روايته وهي (البعض يأكل الدجاج).
لا يستحق أن يكون منسياً
وتحدث الدكتور إسماعيل مروة الذي أدار الندوة في محوره عن (تأثير التراث في قصص عبد اللـه عبد)، وقال: إن «عبد عاش حياته يدافع عن المهمشين والأطفال والمرأة والحق والحرية والعدالة، لم يتعلم إلا أنه أحب العلم وأصر على الدراسة، وكان ملتزماً في قصصه باللغة العربية الفصيحة، ولا نستطيع أن نجد عنده إلا هذه السلامة اللغوية والاعتدال في اللغة واستعمال اللغة الأقرب إلى الفصاحة التي تناسب القاص، كما أنه لم يلجأ إلى كلمات شاعرية وإنما لجأ إلى كلمات معبرة بسيطة لكنها أقرب إلى الفصيحة، وعمل في الميناء والريجة، وكتب في كل مجالات الأدب والرواية وكان متأثراً بميدان القصة الموجهة للأطفال وأغلب هذه القصص لها عناوين من حكايات الجدات، وبعضها يعود إلى (كليلة ودمنة)، ففي كثير من القصص نجد اعتماده على قصص الحيوانات وغير ذلك».
وأضاف مروة: إن «عبد جعل الكثير من الأمثال عناوين مثل: الآباء يأكلون الحصرم وغيرها، إضافة إلى بعض الأفكار التي أخذها وصاغها، وعبد يخرج من نطاق المحاكاة إلى نطاق الأثر لصنع قصة تناسب الزمان، كما أنه استعان بالموروث وقام ببراعة مطلقة بإقناعهم بتمثيل القصة، فخرج من إطار المحاكاة إلى إطار التأثر لصنع قصة تناسب الزمن والأطفال، لذلك فإن عبد قاص كبير لا يستحق أن يكون منسياً ولكن للأسف طاله الكثير من النسيان والإهمال».