ثقافة وفن

| نادين عوده

العنف اللفظي والنفسي: هو العنف المُمارَس بحق المرأة من خلال ألفاظ مُهينة أو شتائم تنتقص من قدرها، إضافة إلى التهديد اللفظي وسوء المعاملة، ويشمل ذلك التهديد بالطلاق، وللعنف النفسي آثار سلبية تنعكس على نفسية المرأة، بالرغم من عدم وجود آثار واضحة، إلا أنه يؤدي إلى إصابة المرأة بأمراض نفسية حادة كالاكتئاب.
بات العنف اللفظي كابوساً يطارد المرأة أينما ذهبت… في البيت والشارع ومكان العمل، فهناك دائماً من يواجه المرأة بعنف لفظي جارح وعدواني، وله في أغلب الأحيان طابع الإهانة ويقف القانون، هنا وهناك، عاجزاً عن معاقبة الفاعل، لتدفع المرأة وحدها الثمن بمزيد من المعاناة النفسية التي قد تصل الى حد الاكتئاب وفقدان الثقة بنفسها وبمن حولها.
وسنبحث عن أسباب انتشاره في مجتمعاتنا، وسبل مقاومته والحد منه، إن التحولات الاجتماعية والنفسية العميقة التي حدثت في المجتمع وتدني المستوى الثقافي والذوق العام والأخلاق والتعاملات بين الأفراد بصفة عامة، أهم أسباب انتشار العنف اللفظي, الذي يؤدي الى آثار نفسية لهذا النوع من التحرش تؤدي في النهاية الى تعرض المرأة لصدمة نفسية، إضافة الى إصابتها بالاكتئاب وفقدان الثقة بالآخرين والتردد وعدم الشعور بالأمان النفسي والاجتماعي. وإن العنف اللفظي جزء من ثقافة مجتمع، يعامل المرأة على أنها مخلوق درجة ثانية، عليها أن تتحمل هذا العنف ولا تشكو، وإن القضاء على تلك الظاهرة يحتاج الى تكاتف الجميع من خلال التوعية.

عادات وتقاليد خاطئة
انتشار العنف اللفظي ضد المرأة يعود إلى بعض العادات والتقاليد الخاطئة التي تحقر من شأن المرأة، وتحض على التكتم على مثل هذه المشكلة، ووضعها في الجزء المسكوت عنه، ومحاولة تجنب نقاشها بشكل علني وصريح، ما جعل المشكلة تتفاقم من دون أن يطرح أحد حلولاً فعلية لها، كما أن للنشأة دوراً، إذ إن أغلب من يمارسون العنف اللفظي ضد المرأة هم من أسر مفككة أو تعاني المشاكل حيث إن البعض يمارس عنفاً لفظياً ضد المرأة على سبيل المزاح، فأصبح المتحرش لفظياً لا يخجل ولا يخشى نتيجة فعلته، بل بدأ يرتكبها بكل تبجح من باب الفهلوة والدعابة وعلى المجتمع أن يتحمل مسؤوليته قبل أن يتحول إلى غابة بشرية يصعب على المرأة العيش فيها، وسيتدهور الحال إلى الاغتصاب والقتل وارتكاب الجرائم بحق المرأة، وخاصة أن بعض النساء يتجنبن الرد على هذه التجاوزات، بسبب الخوف أو الضعف أو تجنباً للمشاكل وحفاظاً على مواقعهن في العمل، خاصة إذا كان من يستخدم العنف اللفظي ضد المرأة هو رئيسها في العمل، وللأسف هذه السلبية قد يفهمها الرجل بأنها بمنزلة قبول من المرأة بأفعاله وذلك يتطلب بضرورة اتخاذ إجراءات عملية لتعديل السلوك في المجتمع تجاه المرأة، بدءاً من الأسرة، مروراً بالمدرسة والجامعة، وانتهاء بوسائل الإعلام وواضعي القوانين التي يجب أن تكون أكثر حسماً في مواجهة العنف اللفظي ضد النساء.
العنف اللفظي أقوى من الجسدي

العنف اللفظي بحد ذاته يؤذي الشخص نفسياً بالدرجة الأولى، وتأثيره يكون أقوى أحياناً من العنف الجسدي، ويقصد به العنف الذي يمارس بالتهديد، وهو غالباً يسبق العنف الجسدي. وعندما نتحدث عن العنف ضد المرأة، أياً كانت صوره وأشكاله، فهو عنف ضدها كنوع، وعالمياً نجد المعنّف دائماً أنثى بسبب التمييز الجنسي أو النوعي، وهو بالطبع أمر مخالف لحقوق الإنسان، فمن يؤذ المرأة نجده يلجأ الى ذرائع مختلفة منها، القانوني والاجتماعي والاقتصادي. ولا بد من توضيح أن أماكن تعرض المرأة للعنف اللفظي متعددة وليست محددة… في المنزل من جانب زوجها وأبنائها، وفي العمل من مديريها أو زملائها، وفي المجتمع من المارة في الشارع العام أو بعض البائعين.
وفي تلك المجتمعات المحافظة غير المعتادة على الاختلاط في أماكن العمل، تكون المشكلة أكبر وأقوى، لأن الرجل غير معتاد على التعايش مع المرأة خارج مفهوم أنها والدته أو أخته أو زوجته، لتصبح زميلته في العمل من وجهة نظره أنثى مستباحة، وهنا تكمن المشكلة في عدم تقييمه لها كشريكة في العمل أو زميلة، بل يطاردها وكأنها فريسة. علينا محاربة هذه العقليات، وعلى المرأة الموظفة أن تعامل مع الرجل معاملة «الند للند»، فالرجل الذي تصدّه المرأة يعدل عن تصرفه هذا، لكنه يتمادى إن وجد قبولاً واستجابه منها. أما في المنزل، فقد تكون الأسباب اجتماعية، بحكم أن الرجل يرى المرأة دائماً ناقصة عقل، فلا يعاملها بالمساواة، سواء كان الأب أم الأخ أو الزوج والأبناء، وهي نظرة المجتمع الى الرجل على أنه «السيد»، والمرأة تابع له. ورغم أن العقليات لا تتغير بسهولة، لكن المجتمعات تطورت اليوم، وأصبحت المرأة تلعب دوراً فاعلاً فيها.

الآثار النفسية
وعن الآثار النفسية التي يخلّفها العنف اللفظي في المرأة، «لهذا النوع من العنف وجهان، فهو إما مباشر كشتمها بألفاظ نابية، أو نعتها بأوصاف الحيوانات، وإهانتها بشكل مستمر، أو غير مباشر من خلال إهمالها، أو تهميشها بعدم توجيه الكلام مباشرة إليها، لكنها تعرف أنها المقصودة. وهذا الوجه لا يصنف بأنه عنف فقط، بل هو عدم احترام للمرأة، ولذاتها أيضاً، إذ يتعمد التقليل من شأن المرأة وتحجيمها من طريق العنف اللفظي. وكلا الوجهين واحد، فالأذية واحدة لأن الأثر يبقى في داخلها، ويدفعها إلى كراهية من يعنفها، خاصة إن كان زوجها، فتتفادى التواصل معه، خوفاً من إهانتها. ووفق شخصية المرأة، تبدأ الأعراض بالتشكل لديها. فإن كانت ذات شخصية قوية وتتمتع بالذكاء، فقد يمثل هذا العنف عامل تحدٍ لها، ويدفعها إلى النجاح، لتثبت له أنها الأفضل. وإذا كانت ضعيفة، فقد تفقد إحساسها بذاتها وأهميتها وتصبح غير قادرة على تحمل المسؤولية. ومثل هذه العلاقات الزوجية غالباً ما تنتهي بالطلاق، لأن من غير السليم أن يعيش الشخص في أجواء سلبية.
وحول آلية تعامل المرأة المعرضة للعنف اللفظي، نشير إلى تقنية المرآة، أي أن تبادله المعاملة بالمثل، فإن كان يهينها بطريقة غير مباشرة، ترد له الأمر بطريقة غير مباشرة، ولكن قبل التعامل معه بالمثل، لا بد من وجود الحوار بينهما، وتوضيح النقاط التي تضايقها وتؤثر فيها، ولا بد أيضاً من منحه مجالاً للتفاهم معه. وبين النساء من تتقبل الأمر، وأخريات يرفضنه، وعلى المعرضة للعنف ألا تسكت وتضعف، بل أن تحاوره مراراً وتكراراً بشكل مباشر لينتبه الى سلوكه وتصرفاته معها.
الوقاية من العنف وللتصدي له وإيقافه بشكل تام يجب على جميع أفراد المجتمع التكافل فيما بينهم بشكل كبير، وتبدأ الوقاية من المناهج الدراسية التي يجب أن تضم برامج للتعريف بالعنف ضد المرأة وحمايتها منه، ونشر الوعي الصحي والثقافي حول هذا الموضوع، إلى جانب الخطط الاقتصادية التي تُمكّن المرأة من تعزيز دورها في المجتمع وإبرازها كعضو فاعل فيه من خلال تقديم الدورات التدريبية لها لدعم تطوير مهاراتها وقدراتها، وتشجيع الاستراتيجيات الوطنية التي تعزز المساواة بين الرجل والمرأة وتقديم فرص مُتساوية لكل منهما، إضافة إلى تضمين البرامج الوطنية التي تصون العلاقة بين الأزواج وتعزيز مفهوم قيام العلاقة على مبادئ الاحترام والتفاهم لخلق جوّ أُسري صحي للأطفال والعائلة كلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن