عام «الشلف»!
| علي محمود هاشم
ما الذي يمكن تذكره من السفرجل؟!
عدا الانتصارات العسكرية والسياسية التي حققها السوريون وحلفاؤهم، وما عكسته من عودة الإحساس بحرية المكان وحميميته، لم يترك 2017 فسحة كافية أمام سوادهم الأعظم لتذكّره بالخير!
في الشقّ المعيشي، متحالفاً مع حفنة من «المتاجرين» بمسميات مختلفة، أجهز العام المنصرم على الرمق الأخير من قدرة المستهلكين، فاتخمت شعارات «التعافي لمصلحة الفقراء» حفنة قليلة من الجيوب بعدما سلك التحسن الاقتصادي سراديب منحوتة مسبقاً صابّاً نسغه في «سدّات تجميعها» التي لطالما أظهرت ولعها الفاحش للربح.
لزمن طويل، تهيّب المرء تناول نخبنا الاقتصادية لما راكمته من حضور في وجداننا، تحت محكّ 2017، وفي خضم دفاعها الشرس عن ليرة ربح زائدة هنا، وتهريبة هناك، فقد بعضها سماته التقليدية، لا بل لم يتوانَ أيضاً عن حماية «شُطّار البازار» في أحلك ساعات المستهلكين المعيشية حلكة، ليصل الأمر إلى انزلاقه نحو درك الاستحواذ الكلي على الأسواق عبر محاولات ملوّنة كللها بتمرين جدي لانتزاع الـ15 بالمئة المقتطعة من المستوردات.. المحاولة الأخيرة، وانسجاماً مع كاريكاتوريتها، إنما شكّلت الذروة التي انحدرت منها هيبة نخبنا تلك بعدما أظهرت عداوتها لكل ما قد يقيّد أو يفتضح فحش الأرباح، مستنتجة بذلك تعريفها الطوعي العاري لـ«الجشع»!
خلا بعض المرافق، لم تكن الحكومة أكثر جدية في التعاطي مع آلام المستهلكين، في كثير من الأحيان، فضّلت دور «المختارية» التي تدوّر كؤوس الشاي على المصالح المتباينة.. لهذا الأسلوب نتيجته المحددة: يذهب الأكثر هشاشة إلى آلامهم، والأكثر جشعاً إلى أرباحهم!
أداء وئيد متصالح في معظمه مع ساعة الحرب ومنعكساتها، وإدارة باهتة للاقتصاد: تارة بطريقة «الشعار» وأخرى بطريقة «الشلف».. غير ذلك، يصعب الوقوف على ما يمكن للحكومة تسويقه من إنجازات قابلة للقياس في بيانها الوزاري ساعة «إشراقها» علينا!.
ففي شقّ التمويل، عجزت عن الانسلال من فخ «الاستهلاكي على حساب الإنتاجي»، فكان أن صدقت على استمرار العمل بمعادلة «كبح السيولة لتجميد الاختلال النقدي»!.. هذا الطراز من الحلول التي تمجد الأدوات النقدية على حساب الاقتصادية، لن يمكن الاستمرار بها إلى ما لا نهاية، ولن يطول الوقت حتى تنحدر الأسواق والمؤسسات التمويلية إلى صقيع أشد وطأة جراء التبريد القسري المستمر لكليهما، من خارج قنوات الاقتصاد الحقيقي.
قطاع الضرائب كان الأكثر «فقوعاً»، ففي ثنايا توزع أعبائه، يُستلمح رضى حكومياً عن استمرار الخلل في توزيع الثروة والأرباح الكلية، متكاملاً بذلك مع القطاع التجاري الذي تدفع مؤشرات استيراده التساؤل عن مغزى استمرار العائدات الضريبية في قيلولتها فوق صدور صغار المكلفين رغم كل طرائق التكليف والتدقيق المبتكرة والقاعات المخملية «المحترمة» والمزايا، لكبارهم!
أما الإنتاج والميزان التجاري، فلربما يجسدان بحق أحلام اليقظة الحكومية المنزلقة من أداء سيكوباتي يجهد لبرهنة إنجازات صورية لا أصل لها، مؤخراً، ووسط تراجع مستورداتنا الطاقوية، أظهرت البيانات الحكومية ارتفاعاً درامياً في وارداتنا لهذا العام يناهز الـ300 بالمئة عن سابقه.
لا جدوى من الطلب للحكومة الإفصاح الواضح عن مفردات «الميزان»، فهي تفضّل مهارة «شلف» الأرقام هنا وهناك على غرار ما أعلنته عبر إحدى منصاتها الإعلامية الرسمية بُعيد لقاء تبريد خواطر التجار من انخفاض الدولار، يومها، «نوّهت» بـ«نفسها» شالفة رقم 20 مليون دولار يومياً قيمة لصادراتنا اليومية، قبل أن يعكف وزير المالية على تلطيف نتوء «الشلفة» أمام مجلس الشعب، مقلّصاً إياه إلى 12.
في العموم، تعكس زيادة مستورداتنا، الرغبة في تلبية الطلب الداخلي المتزايد جراء التدفقات الخارجية بالتزامن مع ضعف مكوننا المحلي من السلع، وليس زيادة مستوردات أولوياتنا الإنتاجية كما تدّعي الحكومة.. ومع ذلك، فلدى الحكومة كل الفرصة لتكذيب التفسير آنفاً، بالتخلي عن «الشلف الموسمي» المغتبط بوصول صادراتنا إلى «90 بلداً»، والإعلان الصريح عن دقة ما أورده وزير المالية عند «4,5 مليارات دولار» قيمة لصادراتنا، ولن يهمّ حتى ولو كانت لبلد واحد فقط!
حديث «الإنتاج»، يقودنا تلقائياً إلى سيرة «التشغيل».. غير حفنة «وحفنة حقاً» الوظائف التي أعلنتها الحكومة لذوي الآلاف من الشهداء، لا شيء يوحي بتبدل ما في معدلات التشغيل أو حتى النوايا الحكومية لرأب تصدعها.. فمثلاً، ما زالت المشاريع الصغيرة بأهميتها على دفق التشغيل بتكاليف زهيدة، وعلى تصحيح انكسارات توزيع الثروة والأسواق والليرة، شعارها السرمدي الذي يأبى الترجّل!
لا أحد غيرها، تساوره الظنون الحسنة في أداء الحكومة خلال العام الماضي.. مع مطلع العام الجديد قد يجدر بها عقد مصالحة بين شعاراتها وأدائها، ولربما يمكنها تقديم بادرة حسن نيّة عبر التخلي عن أمثولة «العجلة دارت»، فهذه البدهية التي حققها السوريون تلقائياً عبر انتصاراتهم العسكرية والسياسية، لا تجبُّ السؤال المرتبط بدورها في إطلاق السرعة المتناسبة لتلك «العجلة»، وبكمّ «العجلات» التي عاودت الدوران، من أصل العدد الكلّي القابل للدوران.