«الربيع العربي» أعادها إلى العصر الحجري.. وصوتها تعالى لتعزيز دورها في المرحلة القادمة … إجماع نسوي: المرأة السورية ذات «مواطنة كاملة» والأولوية لحمايتها من العنف
| موفق محمد – محمد منار حميجو
الإجماع على أولوية أن تكون «المرأة السورية مواطنة سورية كاملة الحقوق والواجبات من دون أي نقصان»، كان الأبرز لورشة عمل ناقشت تعزيز دور المرأة السورية في شتى مجالات الحياة في مرحلة إعادة الإعمار، وذلك إثر الانقلاب الجذري الذي أحدثته الحرب على وضع العديد منهن في سورية بإعادتهن إلى العصر الحجري من خلال تعرضهن لـ«الاغتصاب» و«السبي» و«البيع» في أسواق النخاسة، بعد أن وصلت المرأة إلى مواقع سياسية مرموقة في البلاد.
الورشة أقيمت الخميس الماضي تحت عنوان «تعزيز دور المرأة السورية» بالتعاون ما بين «المؤسسة السورية الحضارية» ومؤسسة «بالميرا لرعاية المرأة والطفل في سورية» في فندق الشام بدمشق، شاركت فيها أكثر من خمسين شخصية نسوية سورية، من مختلف المشارب الفكرية، السياسية، الاجتماعية والاقتصادية وتميزت بـ«التفاعل» و«المشاركة النشطة».
في كلمة الافتتاح، شدد رئيس مجلس أمناء «المؤسسة السورية الحضارية» باسل كويفي على أن «المرأة لها دور مهم في تعزيز الاستقرار والسلام والأمن في سورية»، وأوضح أن الورشة تأتي ضمن سلسلة نشاطات المؤسسة الفكرية لتحديد أولويات عمل المرأة السورية خلال المرحلة القادمة وآلية تمكينها لتفعيل دورها في مختلف المجالات.
وقال: «نحن نعمل في مجال التنمية الفكرية أكثر من العمل الخيري»، مشيراً إلى أن المؤسسة عقدت في العام الماضي 12 ندوة تحت عناوين تناولت دور المرأة في العمل الاجتماعي.
ولفت إلى ما تعرضت له النساء خلال الهجمة الإرهابية على سورية، من عنف و«اغتصاب» و«سبي» الأمر الذي أعادها إلى العصر الحجري، على نقيض ما تمتعت به خلال العقود السابقة، وقال «أعتبر ما حصل من عنف على المرأة وصمة عار على الجميع ويجب أن نتجاوزه».
وأضاف: «تاريخياً في سورية نرى أن المرأة أخذت الكثير من حقوقها مقارنة مع العديد من دول المنطقة، فوصلت في سورية إلى مناصب عديدة منها نائب رئيس الجمهورية ومناصب وزارية وأعضاء في مجلس الشعب وقضاة وهو أمر غير موجود في دول عديدة في المنطقة».
وأشار إلى أنه «في هذه الورشة سنبحث فيما حصل للمرأة في ظل الأزمة ودورها الأساسي في المرحلة القادمة»، مشيراً إلى أن الدستور السوري يعطي المرأة حقوقها ولكن هناك نقصاً في آليات تنفيذ هذا الدستور.
وشدد كويفي على ضرورة «تضافر جميع الجهود من أجل سورية الوطن، سورية للجميع في إطار المواطنة وسيادة القانون والمساواة بين الجميع وفي الوقت نفسه علينا أن نتمسك ونحافظ على وطننا سورية ونتمسك به جميعاً ولتكن يدنا يد واحدة وإذا كان لدينا نقد فليكن بناء وليكن شعارنا «شعار وطن» لأن الوطن باق لجميع السوريين».
من جانبها، ذكرت رئيسة مكتب المرأة والمنظمات بالمؤسسة السورية الحضارية إخلاص غصة، «أن الورشة ستعقد في محافظات أخرى من البلاد لأن أولويات المرأة السورية تختلف باختلاف المنطقة التي تعيش فيها، للوصول إلى سبل تمكين المرأة ومشاركتها في الشأن العام، وسبل تمكينها في كل المجالات السياسية الاقتصادية والاجتماعية». وأضافت غصة رئيسة مؤسسة «بالميرا لرعاية المرأة والطفل في سورية»: لاحظنا انسجاماً وتقبلاً للآخر والحوار كان بناء.
ورأت غصة، أن المرأة السورية «بحاجة إلى مرجعية وجسم حامل لقضاياها. لذلك، نرتئي تشكيل مجلس أو وزارة أو هيئة تعنى بشؤونها مستقلة تكون مشتركة بين القطاع الحكومي والمجتمع المدني».
المحور الأول في الندوة التي أدارها المييسر علي شاهين بمهنية عالية كان بمنزلة استطلاع رأى للمشاركات حول وضع المرأة خلال الأزمة، فاختلفت وجهات النظر في ذلك ما بين من اعتبرن أنها «منتصرة، متأصلة، متحدية، طموحة، تنموية، قادرة، مقاومة، مكافحة، ناضجة، واعدة، مسؤولة»، وبين من اعتبرن أنها «مظلومة قانونياً، مستغلة، مخزية، مزرية، مستهدفة، ضحية، ومنكوبة».
اعتراض واسع حصل على توصيف «مخزية» الذي قالته السيدة رئيفة حيدر وهي إحدى النساء اللواتي تعرضن للخطف من التنظيمات الإرهابية في عدرا العمالية عام 2013 وتم تحريرها عام 2016، إلا أن حيدر دافعت عن رأيها بالقول: المرأة هي التي تربي الشخص الذي يقطع الرؤوس وتساهم في هذه الأعمال الإرهابية، ليتدخل المييسر للتخفيف من حدة الجدل بالقول إن توصيف حيدر تقصد به أن الأمر نسبي.
المحور الثاني، تضمن توزيع المشاركات على ثماني طاولات جلست على كل طاولة ما بين خمس إلى ست نساء، ووزع المييسر على كل مشاركة خمس أوراق ملونة لتكتب كل واحدة منهن على كل ورقة الأولوية التي يجب العمل عليها للنهوض بواقع المرأة السورية حاليا، وجرى تقسيم الأولويات إلى خمس وهي: السياسية الدستورية، القانونية التشريعية، الأمنية، الاقتصادية، والاجتماعية، ومن ثم تم الطلب من المشاركات في كل طاولة الاتفاق على خمس أولويات.
أما المحور الثالث، فتم خلاله الإعلان عن الأولويات لكل طاولة وتدوينها على خمسة ألواح وضعت في الصالة، وذلك في اللوح المخصص لكل أولوية.
وتنوعت الأولويات، ما بين أمنية وسياسية وقانونية واقتصادية واجتماعية، من أبرزها توفير الحماية للنساء وتطوير شبكة الحماية الاجتماعية، وتمكين المرأة اقتصادياً، وتعزيز التسامح وإعادة التماسك، وتعديل وتطوير البيئة التشريعية والقانونية، وضمان التشاركية بالمسؤولية بين المرأة والرجل في المنزل، ورفع نسبة الكوتا النسائية إلى 50 بالمئة في مراكز صنع القرار، والاهتمام بتطوير التعليم والتدريب للمرأة، ورفع مستوى الوعي والاجتماعي لدى المرأة، ودعم النساء المتضررات بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة.
وخلال المحور الرابع، تم التصويت على تلك الأولويات من المشاركات عبر التأشير على كل أولوية إن كانت ضرورية أم وسط أم يمكن الاستغناء عنها.
وأظهرت نتيجة التصويت حصول مسألة «توفير الحماية وتطوير شبكة الحماية الاجتماعية» على أغلبية الأصوات تبعها «تمكين المرأة اقتصادياً من خلال إيجاد فرص العمل» و«رفع مستوى الوعي الاجتماعي بالمرأة»، و«دعم النساء المتضررات بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة»، ومن ثم «تعديل وتطوير البيئة التشريعية والقانونية الخاصة بالمرأة».
وخلال المناقشات، رأت الدكتورة ريم الأطرش أنه من أجل رفع شأن المرأة، علينا بعد هذه الحرب انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يحقق المواطنة بشكل حقيقي»، في حين اعتبرت الدكتورة إنصاف الحمد أن إحدى المداخل الأساسية لتعزيز دور المرأة هو إيجاد آلية مؤسساتية للنهوض بأوضاع النساء السوريات. لإنفاذ المادة 23 من الدستور، والتي تنص على أن توفر الدولة جميع الفرص التي تكفل المساهمة الفاعلة والكاملة في جميع مجالات الحياة السياسية، الاقتصادية، والثقافية»، إضافة إلى: «الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة 33 من الدستور، والتي تنص على المساواة بين المواطنين من دون أي تمييز وعلى مبدأ تكافؤ الفرص بينهم».
من جانبه لفت عضو مجلس أمناء «المؤسسة السورية الحضارية باسل تقي الدين إلى أن المؤسسة تسعى لخلق تنمية فكرية تركز على التوعية ونشر ثقافة مجتمعية تجاه تمكين المرأة ليكون لها مشاركة في مواقع صنع القرار بشكل أكبر مع التأكيد على أن تعليم المرأة أساس أي تمكين آخر».
ومن المقرر أن تتابع «المؤسسة السورية الحضارية»، ورشات العمل في هذا الإطار في معظم المحافظات للوصول إلى قواسم مشتركة بين نساء سورية لتحديد أولوياتهن في المرحلة المقبلة.
و«المؤسسة السورية الحضارية» هي مؤسسة تنموية تعنى بالقضايا التنموية وتقديم الخدمات الإنسانية، الخيرية والصحية، وتركز على معاناة الأسرة السورية قبل الأزمة وخلالها وآثار النزوح الداخلي والخارجي، وتستهدف تعزيز التماسك الاجتماعي، والمشاركة في المصالحات الوطنية، وتسعى إلى تفعيل القرار 1325 الخاص بمشاركة المرأة في الأمن والسلام.