من دفتر الوطن

معايدة

| زياد حيدر 

في تجربة فريدة قام بها خبراء من أجل فيلم وثائقي جديد تعده هيئة الإذاعة البريطانية، جرت محاولة لتسجيل صوت أحد أكبر المخلوقات التي عاشت وانقرضت عن سطح الأرض، وهو حيوان التيرانوصور ريكس، من فئة الديناصورات طبعاً.
وصف الخبراء الصوت الذي نتج عن التجربة بكونه ربما «الصوت الأكثر رعباً في التاريخ»، والحديث هنا عن الطبيعة لا الصناعات البشرية.
وقام العلماء بالاعتماد على توسيع صوت طائر الواق، ليتناسب مع حجم التيرانوصور، ليصبح «بمنزلة طنين منخفض، مزعج ومرعب جداً».
وفي معرض شرح إحدى الخبيرات لفكرة أن صوت هذا الحيوان كان منخفضاً لدرجة أنه كان يمكن «أن نشعر به قبل أن نسمعه»، علقت بأن هذا يفسر (ربما) «خوفنا من الضوضاء المنخفضة التردد، التي تشبه بعض الموسيقا التصويرية في فيلم رعب، (والتي) قد تنبع من ذاكرة تحمل في ثناياها عوامل من أصوات الحيوانات المفترسة الخطرة منذ آلاف السنين».
أنا شخصياً مؤمن بأن فينا ما هو عالق منذ تكوين البشرية، من مخاوف وأوهام، إضافة إلى ما هو عكس ذلك. وربما نحن كجنس بشري، ينتمي للبذرة العربية، وما مر عبر تاريخ نشأتها، سنشهد يوماً من يقوم بتحليل هذه التركيبة التي نمتلكها.
إحدى الصفات العامة التي لاحظتها، كانت في ميلنا للتشاؤم، بشكل عام. ورغم التباهي بالسعادة، والنظر للأمام، من باب «تفاؤلوا بالخير» ثمة زاوية فينا دوماً قادرة على إطلاق الدخان الأسود.
في لقاء صباحي في معهد السينما الذي تعلمت فيه، طلب منا مدير المعهد أن نتقمص شعوره اليومي كل صباح، والمتمثل بالتطلع للنهار، وكأنه على وشك ربح ورقة يانصيب، أو التقاء صديق قديم.
فشلت بالتجربة أنا، على عكس الجنسيات الأخرى، لأن العبارات الصباحية التي كانت تأتي ذهني، كانت جميعها من نمط «الله أبعد السوء عنا» و«الله يجيرنا». استخلص المدير أن الموضوع ربما نابع من ثقافة عامة، موجودة لدينا، وهي كذلك أعتقد، وليست غريبة، بالنظر إلى تاريخ المآسي الذي عاشته قوميتنا على مدى مئات السنين التي مضت، ولاسيما حين أصبحت الذاكرة أكثر حيوية منذ مئة عام.
والذي زاد على ذلك، فجعلنا استثناء هو استمرارية هذه الحقبة، إذ لم يشهد الشرق الأوسط أياما سعيدة ربما منذ ما يزيد على ألف عام. وحتى بالنظر للأمام الآن، يمكن وضع عوامل عديدة للتشاؤم المفرط، بمزيد من صيغة «الله يجيرنا».
رغم ذلك، حين يأتي عام جديد، من الصعب ألا نتفاءل. انطلاقا من الأبراج (التي لا تعنيني) وصولاً إلى محاولة قراءة المستقبل من وجهة نظر إيجابية.
مرة وخلال زيارة لمشفى أوروبي أثري تحول إلى صرح ثقافي، استوقفتني صورة قديمة، لصالة كبيرة تضم مرضى من مختلف الأعمار، خلال وباء الإنفلونزا القاتلة في أوروبا القرن الماضي.
كانت الممرضات يقمن بعملهن، والأطباء يفحصون مرضاهم، بوجود أقرباء المرضى وأهلهم. صورة للضحية، والمنقذ (والجلاد المتخفي في الدم) أيضاً.
كل هؤلاء رحلوا، قلت في نفسي، وبقي من ينظر إلى تجربتهم المأساوية.
وكلنا سنذهب وسيكون هنالك من ينظر إلى صورنا، سعداء، وحزانى. في الشباب وفي الكهولة. وسيقول (ربما) كانت أياماً جميلة.. أو كانت صعبة ومضت.
لذا من أكثر الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي تشاؤماً، أنا. «كل عام وأنتم وسورية بخير».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن