من دفتر الوطن

هذا الوقت سوف يمضي!

عصام داري : 

حكاية معروفة ذكّرني بها أحد الأصدقاء، ربما هي حكمة مناسبة لهذه الأيام التي تحمل كل تناقضات الحياة.
تقول الحكاية إن ملكاً طلب من حكيم أن يقول له عبارة واحدة إذا سمعها وهو حزين يفرح وإذا سمعها وهو فرح يحزن، فكتب له هذه الجملة: «هذا الوقت سوف يمضي»!.
الحياة بحد ذاتها سلسلة غير منقطعة من الحكم والقصص والأساطير والأحداث التي صنع البشر لها مسرحاً هائلاً كانوا هم أبطاله ومخرجيه ومشاهديه، فكانت ملحمة تفاعل الإنسان مع الطبيعة وكل مكونات هذا المعين الغني بالخبرات والتجارب والحروب والغزوات والاختراعات، وغير ذلك التي شكلت بمجملها حضارات خالدة في مناطق متفرقة من كوكبنا الأرضي.
الحكمة من كل ذلك أن الإنسان الذي هو جوهر الحياة يفرح ويحزن إذا سمع عبارة واحدة في حالين مختلفتين، بل متناقضتين، لأنه ببساطة يعشق الحياة، يتوق إلى الفرح والبهجة والحبور، ويصيبه الهلع والخوف من الحزن والهموم.
ونحن اليوم يسعدنا أن نسمع العبارة التي كتبها الوزير لملكه، ويجب أن يرافق سعادتنا إيمان لا يتزعزع بهذه الحكمة، لكن بشرط أن نعمل معاً من أجل تحويل الأماني إلى أفعال على الأرض، وترجمة أحلامنا إلى لغة حقيقية مفهومة، ولا ننسى قول الشاعر أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
هل نحن على مستوى هذا التحدي؟ وهل نمتلك البوصلة والاتجاه لنجعل الحاضر الحزين والقلق يرحل بلا رجعة لنفتح نوافذنا للشمس والنور والانعتاق من سنوات الجمر والنار التي أدمت قلوبنا قبل أجسادنا؟.
لا شيء يدوم مهما طال واستطال، ونحن في سورية على بوابات أمل بعد طول انتظار وتضحيات، وما دمنا نؤمن بأن كل وقت سيمضي وأن الحاضر سيصبح تاريخاً للنسيان والذكرى واستخلاص العبر، فإننا نسير على الدرب القويم الذي نتوق إليه كسوريين أثبتنا بالتجربة أننا أكبر من المحن، وأن قدرتنا على التحمل والصبر لا توازيها إلا إرادتنا الراسخة بأن اليوم سيرحل بكل أحزانه ومآسيه، ليفتح بوابة غد هو أكثر إشراقاً مما هو في الحلم.
نريد العودة إلى الحياة، ونسعى إلى الانتصار على النفس أولا، ومن ثم على من يحاول أن يحد من طموحنا بالغد الذي رسمناه منذ زمن على مقاس أحلام شعب آمن بقدرته على صنع الانتصار، ومن يصمم على الانتصار يقرب جداً من النصر، كما قال يوماً شاعر الهند العظيم طاغور.
ولأننا مصممون على الانتصار، ها نحن نقترب منه خطوة إثر خطوة، لنطوي صفحة سوداء مرت في تاريخنا الذي لم يعرف إلا الصفحات البيضاء المشرقة التي سجل فيها تاريخ الإنسانية مذكراته، وترك بصمته على أوابد تشهد على ولادة أرقى الحضارات التي بناها الإنسان على وجه الأرض.
نقول للغد إننا قادمون فافتح بواباتك لتستقبل عشاق الحياة والنور، وآن لنا أن نغلق بوابة جهنم التي فتحوها علينا مرة واحدة، وإلى الأبد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن