ثقافة وفن

مع أثينا المسرح…. من تراجيديا الإبداع إلى ألم التقشف

 مها محفوض محمد : 

في حركة تضامنية مع أثينا الحاضرة التي أسست المسرح توجهت مجموعة من المثقفين الفرنسيين والفنانين المسرحيين إلى شعب اليونان ببيان جاء فيه: إلى الشعب الذي ينحدر من أعرق حضارة إن كان من أرسطو واسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس يقترحون علينا أن نفي ديوننا إليكم، أرسطو الذي قدم للبشرية علوم الفلسفة والسياسة والميتافيزيقيا والمسرح والموسيقا والشعر.
اليونان هي التي خلقت المسرح منذ خمسة قرون قبل الميلاد وأثينا هي المدينة التي قدمت للعالم أعظم كتاب المسرح بل هم آباء المسرح سوفوكليس واسخيلوس ابتكرا التراجيديا مع يوربيدس حيث قدموا في ذلك الزمان أكثر من ألف نص تراجيدي لم يبق منها إلا القليل في عصرنا استوحى منها الشعراء والكتاب كثيراً لأعمالهم.
مسرحية «أنتيغون» التي قدم فيها سوفوكليس أعظم صورة عن شجاعة الإنسان وتمرده في وجه القوى المستبدة لا تزال خالدة أثارت انتباه الأدباء والمفكرين قال عنها هيغل: إنها من أعظم الأعمال المسرحية التي عرفها العالم.
نقول إن نهضتنا في أوروبا لم تقم لولا حضارتكم اليونانية، نحن رجالاً ونساء من الذين يشكل المسرح جزءاً من حياتنا نجد أنفسنا اليوم مدينين لليونان والديون كبيرة جداً فالمسرح والديمقراطية ولدا معاً وفي المكان ذاته في ساحات آغورا اليونانية «هي ساحة عامة كانت تعقد فيها المجالس السياسية للمدن الإغريقية حيث يستطيع المواطنون والفنانون قول ما يريدون وعلى طريقتهم» ومن ثم تعاظما في قلب قارتنا وفي أنحاء العالم، نحن لم نفقد الذاكرة ونؤمن بذلك وأن أوروبا التي استمدت ديمقراطيتها من اليونان عليها أن تساعدها اليوم لا أن تدفع بالاقتصاد اليوناني إلى الانهيار وإلى زوال العقد الاجتماعي فيها وما فرضته المفوضية الأوروبية على اليونان هو تراجيديا حقيقية على هذا البلد كما أن الاتفاق الذي أبرموه لن يجدي نفعاً إنما سيفاقم الأزمة التي تعيشها اليونان حالياً ونتوقع أن هذه الأزمة ستكون غداً رافعة لبناء أوروبا تلك وستكون أيضاً في خدمة تبادل عالمي وشراكة في التطور، نحن نتضامن اليوم مع شعب اليونان ونقف إلى جانبه لأنه سيكون أفضل داعم لنا في طرد التقشف من قارتنا وإعادة الناس إلى ما كانوا عليه، التضامن مع هذا الشعب هو جلّ هدفنا لأن ما فعلته حكوماتنا الأوروبية سيؤدي إلى مزيد من الحقد والآلام وهذا سيساهم في عودة الفاشية التي لن تعلن عن اسمها صراحة والشعب اليوناني يدعونا كي لا نخطئ عدونا.
نحن نقترح دفع ديوننا إلى اليونان عبر آغورا الكلمات والأفكار حيث يستطيع الناس الحديث بعيداً عن بروكسل وباريس، كم نحن مذهولون لرؤية أثينا التي أسست المسرح وهي تمر بإحدى أكبر تراجيديات تاريخها فالسيناريو المفروض من الترويكا الأوروبية التي أملت قانونها على الشعب اليوناني سيئ جداً إنه إغتيال فعلي تم تدبيره طبقاً للأصول وعلى خشبة المسرح بعد أن تموت الشخصية تعاود النهوض لكنهم هنا جعلوا الشعب اليوناني يركع ليطلقوا الرصاص على رأسه من الخلف.
إن هؤلاء الدائنين المشبوهين غير الشرفاء لا يمكن لهم أن ينتزعوا من اليونانيين فطرتهم في التراجيديا وروحهم الديمقراطية.
وفي مهرجان آفينيون الثقافي الذي عقد في باريس منذ أيام تم تقديم عروض مسرحية تحية لليونان منها عروض فرنسية وأخرى يونانية تحدث عنها مدير المهرجان قائلاً: «العجيب أنه رغم مأساة هذا البلد ما زلنا نجد لديه القدرة على صنع المسرح» وكانت قد جاءت إلى المهرجان ثلاثة أجيال من كتاب المسرح اليوناني وقدموا أعمالاً تؤكد حيوية هذا المسرح رغم الصعوبات التي تواجهها بلد تخنقه الأزمة الاقتصادية.
من العروض التي قدمت مسرحية ترسم صورة تراجيدية لعائلة في عالم يتهاوى وتعاين حالة جيل يضحى به، كما قدم الكاتب المسرحي مانوليس تسيبوس وهو أحد وجوه المسرح التجريبي اليوناني مسرحيته «طبيعة ميتة» التي تدور أحداثها في محيط مدينة أثينا وحيث أحدثت المسرحية صدىً كبيراً في المهرجان يقول عنها تسيبوس: لقد كان هناك انسجام بين المسرحية والجو الخاص الذي يمر به المهرجان فنحن في لحظة تاريخية والنص يتحدث عن تحول المدينة في ولادة عقد اجتماعي جديد لكنني أرى أن أوروبا كلها بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد ومسرحيات مانوليس تسيبوس وغيره من الكتاب التي كانت تعرض بشكل دائم على مسارع أثينا توقفت كلها بعد أن انهار كل شيء حتى وزارة الثقافة اليونانية توقفت عن العمل والدولة انسحبت تماماً من تمويل الثقافة التي أصبحت تمولها اليوم مؤسسات خاصة كبرى مثل مركز أوناسيس ومؤسسة نيارشو أما المسرح الخلاق فلم يعد يحصل على شيء لأن هذه المؤسسات تريد صنع سياسة ثقافية مادامت الدولة غير موجودة وهذا يجازف بخلق حالة احتكار للثقافة في وقت يراد فيه للفن أن يبقى فعالاً وأن يرفد الإبداع التجريبي للثقافة بالمعنى الواسع.
ومن نشاطات مهرجان آفينيون أيضاً أنه احتفى بشعراء من اليونان منهم الشاعر الكبير تيتوس باتريكيوس الذي قدم قصيدة كانت عبارة عن لوحة رائعة ما بين الشكوى والتقريظ ليونان وحيدة، يونان منسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن