صنّاع الفرح والحب
| عصام داري
نقف على بوابة العام الجديد حذرين مترددين: هل نقرع الباب بقوة وثقة وثبات، أم إننا نلجأ إلى رقة ولطف و.. تهيب وخشية؟
يغرب عام مضى بكل ما حمله من أفراح وأحزان، من حب وأحقاد، من نكسات وانتصارات، من انطلاقات وكبوات، ونستقبل عاماً في عالم الغيب، لكن الأمل الذي نتحلى به يجعلنا نتوقع أنه موعد جديد مع الحياة والحب والنصر الذاتي والوطني، عام تحديات جديدة علينا الخوض في غمارها والفوز فيها.
بعد أيام نودع العام المنصرف، لنستقبل العام الآتي، تعم الاحتفالات والمهرجانات والأضواء الملونة في شتى أرجاء كوكبنا الأرضي، لكننا نتساءل: لماذا هذه الاحتفالات الصاخبة؟ هل هي تعبير عن فرحة برحيل عام حمل الكثير من الآلام والأحزان والهموم، أم إنها لاستقبال عام نظن أنه سيحمل لنا الفرح والسعادة والبهجة والأمل بأمن مقيم وسلام قادم وهدوء على كامل مساحة الوطن؟
لننتبه إلى حقيقة حلوة ومرة في آن معاً:عندما ينتصف ليل اليوم الأخير من هذا العام، نتبادل التهاني، ونفرح، غير أن أغلب الناس ينسون في لحظة الفرح أنهم ودعوا عاماً من أعمارهم، وأن هذا العام صار تاريخاً مضى ولن يعود، وأن كل عام يعني أننا فقدنا هذا العام، وكلما زاد عمرنا عاماً نقص عمرنا عاماً.
من محاسن النفس الإنسانية أنها قادرة على التكيف مع كل الظروف مهما كانت صعبة ومعقدة، فحتى عندما ندرك أن أعوامنا ترحل بسرعة وأن الإنسان يقترب يوماً بعد يوم من خط النهاية في سباق المسافات، سباق الحياة، فإننا نغتنم أي لحظة للفرح والحب والحبور لنشعل الروح بالبهجة والسرور والعيش في تلك اللحظة السانحة، لأننا نعرف أن لحظات الفرح عملة نادرة في هذا العمر القصير.
من يقرأ الحياة بالشكل الصحيح يستطع أن يصنع فرحة ويرسم دروبه بنفسه، وينتج حصاداً وفيراً وثماراً يانعة.
الذين يقتحمون مفاوز الحياة ويعرفون كيف يخرجون بأقل الخسائر الممكنة، هم الفائزون في معارك الحياة، لأن الحياة سلسلة من التجارب المتعددة، ومن الحكم الجميلة التي قرأتها، هذه الحكمة إحداها: «ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئاً نناضل من أجله» فهل وجد كل منا ذلك الشيء الذي يناضل من أجله؟.
لا يعني النضال الخوض في معارك طاحنة في جبهات القتال وحسب، بل يعني كل ثانية نمضيها في البحث عن إسعاد الآخرين، وخدمة الناس الذين يستحقون، وأن نعيش الفرح بكل أبعاده، وأن نترك للأجيال القادمة ما يذكروننا به، وأن تكون لنا بصمة في حياتنا، ومن يترك مثل هذه البصمة فإنه لا يموت.
نحن ندرك أن حياتنا برمتها هي مجموعة من الأحداث المتلاحقة، منها السيئ ومنها الجيد، ولكن الإنسان وحده يستطيع تحويل مساحات الحزن إلى حقول تجارب يصنع فيها الفرح، وقد قالوا: إن الحياة قصيرة، لكن المصائب تجعلها طويلة.
في هذا المعنى: أرجوكم ألا تجعلوا الحياة طويلة، وكل عام وأنتم صنّاع الفرح والحب، وعشاق الحياة بخير.