أحداث إيران: نموذج سوري يتكرر!
| بسام أبو عبد الله
لا تبدو الأحداث التي تشهدها إيران بعيدة جداً عن النموذج السوري الذي أصبح مسباراً لكشف الحقيقة، من الخيال والوهم، وخاصة أن سورية كانت البلد الذي طبق عليه كل أنواع الحروب، ونماذجها التي عملت الولايات المتحدة، وحلفاؤها طوال سنوات على تمويلها وتطويرها واستخدام نوعين من الحروب: الحرب الناعمة، والحرب بالوكالة، ليصطلح على تسمية هذا النوع بالحرب الذكية.
إن ما تشهده المدن الإيرانية من تظاهرات مطلبية ذات بعد اقتصادي ليست ظاهرة جديدة بالنسبة لدول العالم، فلقد شهدت فرنسا تظاهرات أسبوعية للاحتجاج على قانون العمل، كما شهدت الولايات المتحدة تظاهرات الـ«وول ستريت» الشهيرة التي قُمعت بطريقة عنيفة، وكذلك بريطانيا، وإسبانيا، وغيرها الكثير بهدف التعبير عن مطالب معينة اقتصادية اجتماعية أو سياسية.
والحقيقة أن أغلبية المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم الرئيس الإيراني حسن روحاني أكدوا حق الإيرانيين في التعبير السلمي، وفي التظاهر للتعبير عن الاحتجاج، ولكنهم رفضوا بشكل قطعي أعمال التخريب، والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة، وهو أمر مرفوض في كل الدول المتحضرة، وخارج إطار القانون، ونظرة متفحصة للأحداث في إيران تأخذنا بالتحليل الموضوعي العلمي إلى مجموعة مسارات لابد من الخوض فيها لفهم حقيقي لما يجري، وكما عودنا القارئ في صحيفة «الوطن» سنحاول تقديم رؤية موضوعية لهذه المسارات.
المسار الاقتصادي: لا ينكر المسؤولون الإيرانيون وجود أزمة اقتصادية في البلاد انعكست على حياة الطبقة الفقيرة الإيرانية، وزادت من معاناتها، وتقول بعض الإحصاءات إن نسبة الفقر تزايدت بشكل كبير حتى وصلت إلى 20 مليون إنسان، على حين أن الأرقام الرسمية تضع هذا الرقم في حدود 12 مليون إنسان.
حسب مصادر إعلامية فإن إدارة روحاني استطاعت خفض معدلات التضخم لما يقرب 40 بالمئة من صيف عام 2013 إلى 9 بالمئة حتى آذار 2017، لكن هذا الخفض لم يحمل أي مؤشرات إيجابية على صعيد البطالة التي وصلت إلى 12.3 بالمئة عام 2016.
لم يحقق الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع (5 +1) النتائج التي وعدت بها إدارة روحاني، والتي من المفترض أن تنعكس على الوضع الاقتصادي، وتساهم في تحسين معيشة الإيرانيين، إذ إنه مقابل تمسك إيران ببنود الاتفاق، فإن الإدارة الأميركية اعتبرته «الأسوأ» بنظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وينتظر تمزيقه حسب كلامه، إضافة إلى مماطلة الولايات المتحدة في تحرير أموال إيران المجمدة في الخارج، وعرقلة التحويلات المصرفية، وتهديد الشركات التي تتعامل مع إيران سراً وعلناً، ما أعاق تدفق الاستثمارات الأجنبية.
فرضت إدارة ترامب عقوبات على 12 مؤسسة إيرانية، الأمر الذي أعاد إنعاش السوق السوداء في إيران مجدداً، وهدد بعودة شبح العقوبات من جديد، حسب موقع «وقت» الإيراني، مع الإشارة إلى أن العقوبات الاقتصادية تعود لنهاية التسعينيات، وجرى تشديدها عام 2006، وعام 2012 بدفع أميركي صهيوني غربي.
سعت إدارة روحاني للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، لكن واشنطن عرقلت ذلك، وحالت دون انضمام إيران لهذه المنظمة.
تتهم بعض الأطراف المحافظة في إيران إدارة روحاني بانتهاج سياسة اقتصادية نيو ليبرالية كانت لها هذه الآثار الاجتماعية إضافة إلى اتهامات تتعلق بالاتفاق النووي، ومآلاته المتوقعة إذ كان مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي قد حذر من الوثوق بالولايات المتحدة، كما أنه طرح نموذج «الاقتصاد المقاوم» كبديل من التوجهات الليبرالية.
تداول العديد من وسائل الإعلام، والتحليلات أسباباً عديدة أخرى منها رفع الأسعار للعديد من المواد الغذائية، البطالة، وكثير، كثير غيرها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أنه ما من شك أن هناك أسباباً موضوعية لهذه التظاهرات، ولكن حسب ما علقت معصومة ابتكار مستشارة الرئيس روحاني على تويتر بالقول: «الاعتراض على المشكلات لإجراء الإصلاحات حق للمواطنين، لكن على المعترضين أن يعرفوا من أي جهة يتم إرشادهم، ومن قائدهم؟» وطبعاً هذا الكلام جاء على خلفية الحماس الغريب الأميركي السعودي الإسرائيلي الإماراتي تجاه المواطن الإيراني وحقوقه وحرياته ومعيشته، وهو حماس مكشوف مفضوح، يذكرنا بالحماس نفسه تجاه حرية السوريين وديمقراطيتهم وحقوقهم ومطالبهم الإصلاحية، فإذاً، هو فيلم سوري يتكرر بنسخة إيرانية!
المسار السياسي الأمني أو «استهداف إيران»: شكلت الخلفية الاقتصادية الاجتماعية السابقة مادة للعمل على اختراق المجتمع الإيراني، إذ لم يخف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن هدف توقيع الاتفاق مع إيران هو الانتقال لاستخدام القوة الناعمة لتغيير النظام في إيران، ولكن إدارة ترامب، ومن خلفها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو رأوا أن نفوذ إيران تزايد في المنطقة، وأن محور المقاومة حقق نتائج كبيرة على صعيد هزيمة مشروع داعش في سورية والعراق، مع اعتراف بعدم إمكانية هزيمة إيران بالمواجهة من الخارج، فكان لابد من العمل على الداخل، واستغلال نقاط الضعف، والمناطق الرخوة لإثارة الاضطرابات، والقلاقل، أي «كلمة حق يراد بها باطل».
والقضية لم تبدأ مع إدارة ترامب إذ لابد من التذكير بالمؤتمر الكبير الذي عُقد في باريس يومي 9-10 تموز 2016 للمعارضة الإيرانية، وحضره آنذاك رئيس المخابرات السعودية السابق وعراب العلاقات مع الإسرائيليين تركي الفيصل، حيث ألقى كلمة في الجموع طالب فيها «بإسقاط النظام في إيران»، وقال مخاطباً مريم رجوي زعيمة «مجاهدي خلق» الذين يسمونهم في إيران بالمنافقين: «إن كفاحكم المشروع ضد نظام الخميني سيبلغ مرماه عاجلاً، و ليس آجلاً»، وحين ردد الحاضرون، وكان هناك عدد كبير من السوريين ممن أحضروا بالمال لإظهار حشود شعبية، «الشعب يريد إسقاط النظام» قال تركي الفيصل: وأنا أريد إسقاط النظام!
إن العلاقة بين مريم رجوي، والسيناتور الأميركي جون ماكين داعم الحروب في المنطقة، هي علاقة عضوية، كما ظهرت علاقة ماكين مع الإرهابيين في سورية، ويذكر أن رجوي أشادت آنذاك بالعدوان السعودي على اليمن، وأيدت ما يسمى «معارضة سورية» علناً.
أما على صعيد المعلومات فليس هناك شيء سري الآن، إذ أعلن ترامب منذ قمة الرياض في أيار 2017 أن إيران عدو، ويجب مواجهته، ورسخ ذلك مؤخراً في إستراتيجية الأمن القومي الأميركي التي صدرت قبل أيام، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان فقد قال علناً إنه سينقل المعركة إلى الداخل الإيراني، والقناة العاشرة الإسرائيلية تحدثت في أحد تقاريرها عن تشكيل مجموعات عمل أميركية صهيونية متعددة ضد إيران إثر زيارة لوفد عسكري إسرائيلي للولايات المتحدة بداية كانون الأول الماضي، حيث جرى توقيع مذكرة تفاهم حول المسألة الإيرانية شملت تشكيل أربعة فرق عمل:
– فريق عمل للمجال السري والدبلوماسي لإلغاء البرنامج النووي الإيراني.
– فريق عمل للحد من وجود إيران في المنطقة وخاصة في سورية ولبنان.
– فريق عمل لاحتواء برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، والحد من نقل الصواريخ الإيرانية لحزب الله.
– فريق عمل لمواجهة تصعيد التوتر في المنطقة الذي يمكن أن تتورط فيه إيران.
صحيفة «وول ستريت جورنال» كشفت عن قيام المخابرات المركزية الأميركية بتشكيل بعثة خاصة لممارسة الضغط على إيران برئاسة مايكل دي أندريا وهو أحد كبار المختصين بالشأن الإيراني، ووضعت تحت تصرفه إمكانات كبيرة لقيادة هذا التحرك الواسع ضد إيران.
وتنقل بعض المصادر عن دي أندريا أنه أصيب بخيبة أمل كبيرة نظراً لضعف التظاهرات، وضعف انتشارها، وحسب ما قال فإن تقديرات مجاهدي خلق لم تكن دقيقة، وكانت مبالغاً بها.
وكشف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في حديث لقناة الميادين ما يؤكد تلك المعلومات حينما قال: إن ما يحصل على الشبكة العنكبوتية «حرب بالوكالة» ضد الشعب الإيراني، وأشار إلى أن 27 بالمئة من المشاركين بالحملة يتبعون لـ«محمد بن سلمان» كما أن العناصر التنفيذية للحرب عبر الإنترنت إسرائيلية غربية، مهدداً أن الرد سيأتيهم من حيث لا يشعرون، موضحاً أن الهاشتاغات تأتي من أميركا، بريطانيا السعودية، وأماكن أخرى، وأن خسارة السعودية في اليمن دفعتها للتحريض ضد الشعب الإيراني الواعي.
3- في الخلاصات: تبدو الحرب على إيران مفتوحة، وعلنية تضم محور واشنطن، تل أبيب، الرياض، أبو ظبي، وبالتأكيد يستغل هؤلاء مطالب شعبية، وسوء إدارة للقيام بحرب ناعمة تخريبية مبرمجة، وتقاد من غرف عمليات في تل أبيب والرياض وأربيل وحيرات في أفغانستان، والحقيقة أن مشكلة هؤلاء أنهم كما كانوا جاهلين بسورية وشعبها وجيشها، فإنهم يرتكبون الحماقة ذاتها في إيران، فالشعب الإيراني يتمتع بوعي عال، وهو شعب يتحد في أوقات الشدة، ولديه من القدرات العسكرية والأمنية، وصلابة القيادة، وحكمتها ما يجعله قادراً على تجاوز هذه المرحلة بكل اقتدار، وخاصة أن جبهة الأعداء التي تقود هذه الحرب مهزومة وتافهة ومكشوفة ومفضوحة، وهي تحتاج لعلاج أمراضها وانهياراتها وهزائمها التي ستزداد بعد انفضاح أمرها.
نموذج المؤامرة في سورية هزم، أو في طريقه للهزيمة، ولذلك لا يمكن تكرار النموذج نفسه في إيران مهما فعلوا، فعوامل القوة كثيرة لدى طهران، لكن الأهم لدى محور المقاومة هو معالجة نقاط الضعف من طهران إلى دمشق، وهي بحاجة لورش عمل، وتفكير عميق بهدف منع الأعداء من استغلالها واستثمارها مستقبلاً.