ثقافة وفن

كنية الدمشقي

| منير كيال

تميزت مدينة دمشق بإطلاق كنية على كل أسرة، وهذه الكنية، متوارثة بين الآباء والأبناء والأحفاد، وهي تميز المرء بهذه الأسرة أو العائلة عن غيرها من الأسر والعائلات الدمشقية وهذا لا نجده في كثير من المدن العربية بأرجاء الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج.
ارتبطت تسمية الأسرة الدمشقية بأمور منها: قوام رب الأسرة طولاً وقصراً وحركة وممارسة، كقولهم: بيت الطويل والقصير والأعرج والأكتع، وبيت القرد والعتال، فضلاً عن السمان واللحام والعجان، وقد ترتبط هذه التسمية بالبلد الذي قدمت منه، لدى استقرارها ببلد أو مدينة أخرى كقولهم: بيت الحلبي والحمصي والشامي ولهذه الكنية للأسرة أهمية كبرى في كثير من النواحي، ومن ذلك الامتحانات والميراث ذلك أن تشابه الأسماء من دون كنية لدى العديد من الأشخاص خارج مدينة دمشق، يربك عملية الامتحانات وكذلك الميراث، ما لم يتأكد المهتمون بمكان وتاريخ الولادة، وكذلك التأكد من نسب الأبوين.
وإذا كان من الأشخاص في دمشق يكنون بكنى ناجمة عن ممارسة رب الأسرة مهنة أو حرفة فإن من هذه الكنى ما انقرضت الحرفة أو المهنة التي تنتسب إليها ومن ذلك مهنة العكام الذي كان يقوم بخدمة الحاج يوم كان الحج على الجمال، قبل أن تعرف السيارة والطائرة، ومن ذلك كنية المحملجي نسبة إلى محمل الحج الشامي وكنية الرشاش الذي كان يقوم برش الطرق أو الحارات بالماء من القربة التي يحملها على ظهره، وكنية المرابع التي تعود إلى المرء الذي يعمل ببستان رجل آخر مقابل ربع محصول ذلك البستان، والأمر ينسحب على كنية الضمّان الذي كان يدفع لصاحب البستان مبلغاً من المال لقاء ضمانه جني ثمار نوع من ذلك البستان لحسابه، حتى إذا انتهى جني أو قطاف ذلك المحصول، ترك ذلك الضمان البستان المشار إليه إلى عمل آخر.
ونظراً لما يلحظ المرء من وجود كنى لأسر دمشقية قد لا تليق بالمقام، ومن ذلك كنية: القرد أو الأعرج والأكتع، فإننا نجد حتى أيامنا هذه أن من الأسر من تطلب إلى المحكمة التخلي عن تلك الكنية بإبدالها بكنية أخرى لأننا قد نجد من أحفاد كنية من يرفض حمل كنية أسرته التي يراها غير مناسبة في ظروف أيامنا، وقد تذاكرت مع أحد الدارسين بظروف الانتساب إلى هذه الكنية أو تلك الكنية فوصلنا إلى أنه إذا كان من الممكن أن يتخلى المرء عن كنيته إلى كنية أخرى، فإن هذه الكنية تكون في جميع الأحوال سمة تميز المرء عن الآخر، لأنها صفة ملازمة له وإليها ينتسب أبناء الأسرة وأحفادها، بالحل والترحال، أكان ذلك مرتبطاً بمكونات شخصية أم سلوكية، لأن من حق المرء الطبيعي أن يحمل أو ينتسب إلى كنية تميزه عن الآخر، وألا يكون بهذه الكنية سمة لا ترفع من مقدار المرء بين الآخرين، ولما في ذلك من تسهيل إجراء المعاملات التي تخص شخصاً بذاته دون غيره، كما سبق أن أشرنا بهذا البحث، ومن ثم فإن ذلك يقف في وجه من تسوّل له نفسه الافتئات على حقوق الآخرين بالتلاعب بأمر الانتساب إلى هذه الأسرة أو تلك، ومن ثم عدم وصول الحقوق إلى أصحابها، ما يخالف قناعة الوجدان العام للمجتمع، وإذا كان الأمر كذلك فإن للمرء أن يفاخر بكنيته لأنها تميزه عن غيره، وهي بمنزلة البطاقة الشخصية أو الهوية للمرء، أينما كان وبكل زمان.
وبالطبع فإن ذلك لا ينطبق على الأماكن أو المدن التي لا يحمل بها المرء كنية له، ونجد من الصعوبة التعرف عليه وتمييزه عن الآخر الذي يحمل الاسم نفسه، ومن ثم صعوبة وصول الحق إلى صاحبه، وعلى ذلك قس ولعل من طريف ما يذكر أن أسرة كان يقيم بعض منها بدمشق والبعض الآخر بحلب، فاضطرتهم الظروف للانتقال إلى دير الزور، فعرفوا بآل الحلبي نسبة إلى المكان الذي قدموا منه، ثم غلبت هذه النسبة عليهم، فعرفوا بآل الحلبي على حساب كنيتهم الأصلية وكان لهذه الأسرة أو العائلة كنيتان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن