فشل آخر في إيران
| عمار عبد الغني
من يتابع حديث السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة نيكي هايلي في مجلس الأمن في الجلسة الطارئة التي دعت لها بلادها لمناقشة الوضع في إيران، فإن أول ما يتبادر إلى مخيلته سلوك ذات الدولة مع بداية الأحداث في سورية عندما كانت الإدارة الأميركية السابقة تذرف دموع التماسيح على «الثوار» الذين لم يطل الوقت حتى تبين أنهم أدوات واشنطن في الداخل السوري من شذاذ الآفاق والمنحرفين دينياً وأخلاقياً ممن احترفوا القتل والتدمير والسبي والاغتصاب.
بعبارة أخرى ما حصل من أحداث شغب في إيران خلال الأيام الماضية بدءا بمحاولة حرف الحراك المطلبي بإصلاحات اقتصادية إلى مطالب من «المندسين» الذين استقدمتهم أميركا وأدواتها في الخليج ودعواتهم لـــ«إسقاط النظام» وما قاموا به من أعمال حرق للبنى وترافق مع تغطية إعلامية من ذات الوسائل لتأجيج الأوضاع، وصولاً إلى جلسة مجلس الأمن أول من أمس، هو نسخة فوتوكوبي عما حصل في سورية بداية الأزمة، حيث إنهم يعللون النفس بتكرار ذات السيناريو لضرب الدولة الممانعة من الداخل، وذلك في محاولة جديدة لتوسيع دائرة الاشتباك وكتابة فصل دموي جديد عنوانه العريض «الاقتتال والتخريب لإشغال إيران عن القضايا التي تدافع عنها» وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والتي باعها بعض العرب، للأسف، بأبخس الأثمان.
ولأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تملك أي سلاح جديد سوى الشعارات التي ملّ العالم سماعها كــ«الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية… إلخ»، والتي كانت تتلطى خلفها للتدخل في شؤون الدول الداخلية، لم تجد مدخلاً إلا استخدام ذات الأسلوب الذي اتبعته في سورية واستطاعت من خلاله النجاح في بعض الجوانب لجهة التهجير والتشريد والقتل والتدمير، لزعزعة الأمن والاستقرار في إيران، ولكن ما لم يكن في حسبان هؤلاء أن التاريخ لا يعيد نفسه بذات الصورة، فإن حدث، ففي المرة الأولى يشكل مأساة وفي الثانية يصبح مسرحية هزلية لا تنطلي على أحد، وهذا ما جرى بالفعل خلال الأيام الأخيرة، حيث خرجت مسيرات مليونية في عموم المدن الإيرانية رفضاً للتدخلات الخارجية وتأييداً لنهج الثورة وباتت تصريحات ترامب وإدارته محط سخرية ليس من قبل الإيرانيين فحسب، بل معظم شعوب العالم حتى في الداخل الأميركي.
وعليه فإن أحلام ترامب ورئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظام آل سعود في تخريب إيران لم تلبث أن تحولت إلى كابوس يقض مضاجعهم إذ كان وعي الشعب الإيراني وقيادته أكبر بكثير من سياسة هؤلاء الصبيانية الذين أضافوا إلى سجلهم الطافح بالهزائم والانكسارات وخيبات الأمل، فشلاً جديداً لن يطول الوقت حتى يحصدوا نتاجه إذ سيتضح للجميع أن الدولة التي هيمنت على القرار العالمي لنحو نصف قرن ليست أكثر من دولة تنازع على فراش الموت، وما يدل على ذلك الأوراق المستهلكة التي تلعب فيها في هذه المرحلة في محاولة أخيرة للحفاظ على ما تبقى من الهيبة التي تجعل أدواتها في الخليج ينفذون أجنداتها في المنطقة ويدفعون ما يترتب عليهم ثمن حمايتهم، وبالتالي فإن الزمن الذي يفصل بلاد العم سام عن الانكفاء داخل حدودها ليس ببعيد، على حين أضاف سلمان وولي عهده أزمة جديدة باتت تهدد عرشهم الآيل للسقوط بعد أن غرقوا في وحل اليمن وفتحوا جبهة جديدة أكبر من حجمهم مع طهران.
في النهاية، فإن وقائع الميدان وتصميم الدول الصاعدة ومحور المقاومة على تقليم أظافر واشنطن لن تقف في طريقه اختلاق أزمة طارئة في إحدى دوله، فعصر هيمنة القطب الأوحد ولى إلى غير رجعة وعلى من يحاولون المجابهة والعرقلة أن يتحضروا لدفع فاتورة عبثهم، والأشهر القليلة المقبلة ستوضح المشهد أكثر.