من الرايات السود إلى الرايات البيض توظيف الإرهاب ما زال مستمراً
| أحمد ضيف الله
ما إن تمكنت القوات العراقية بمختلف صنوفها من القضاء على تنظيم داعش الإرهابي بشكل نهائي في العراق، بعد قتال استمر ثلاث سنوات، وإعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي بتاريخ 9 كانون الأول الماضي «النصر»، بسيطرة القوات العراقية «بنحو كامل على الحدود السورية العراقية»، و«انتهاء الحرب على داعش»، حتى طفت إلى السطح أخبار تتحدث عن ظهور مجموعة إرهابية تسعى إلى زعزعة الوضع الأمني في مناطق من محافظتي كركوك وديالى، يحمل عناصره رايات بيضاء يتوسطها صورة رأس أسد، مستهدفين على وجه الخصوص قضاء طوزخرماتو، أي محافظة صلاح الدين، بقصف عشوائي بالصواريخ، من سلسلة المناطق الجبلية المحاذية للقضاء، الخاضعة لسيطرة قوات البيشمركة، ما تسبب بسقوط أكثر من 74 شخصاً، بين قتيلٍ وجريح، بينهم أطفال ونساء، إلى جانب إلحاق أضرار مادية جسيمة في البيوت والمحال التجارية، ونزوح بعض العوائل إلى كركوك والقرى المجاورة له.
وسام آمرلي القيادي في الحشد الشعبي أعلن في تصريحٍ له بتاريخ 14 كانون الأول الماضي، أن «الإرهابيين تسببوا بتدهور الأوضاع الأمنية خلال الأيام الماضية، وهم يحاولون نهب منازل الأهالي، واختطاف سائقين، وإحراق سيارات المواطنين».
وفي ظل غياب أي معلومات أو موقف حكومي رسمي بشأن حقيقة المجموعة الإرهابية تلك، وانتمائها وفكرها، فإن التصريحات بشأنها هويتها متضاربة، بين كون عناصرها من بقايا تنظيم داعش أو من بعثيي نظام صدام حسين السابق أو من أكراد، ويرى البعض، أن عناصر هذا التنظيم الذين سموا بجماعة «الرايات البيض» هم من بقايا تنظيم داعش الإرهابي، بينما يعتقد آخرون، أن التنظيم المسلح الجديد ينتمي إلى حزب البعث المنحل، أو جيش «رجال الطريقة النقشبندية» الذي يقوده عزت الدوري نائب الرئيس الراحل صدام حسين، على حين يرى آخرون، أن عناصر هذه الجماعة هم أكراد ينتمون إلى حزب العمال الكردستاني، وآخرين تابعين لرئيس الإقليم السابق رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني لمهاجمة أهداف عسكرية للجيش العراقي ومقرات وتجمعات عناصر الحشد الشعبي في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وخاصة مع قيام وسائل إعلام كردية بنشر معلومات وصور عن تنظيم مسلح يسمى «خوبخشة»، أي «المتطوعون»، يدعو إلى العمل المسلح لتحرير كركوك وطوزخرماتو، معلناً مسؤوليته عن استهداف القوى الأمنية والحشد الشعبي، كاشفة عن 200 مسلح في منطقة «داود آوه» في أطراف قضاء طوزخورماتو، هدفها الأساس هو «تحرير الأراضي» التي انتشرت فيها القوات العراقية والحشد الشعبي.
إن تسمية «الرايات البيض» أطلقها السكان المحليون، وتناقلتها وسائل الإعلام المحلية على هذه الأساس، فهي ليست تسمية متبناة من الجماعة المسلحة، و«الرايات البيض» من حيث الشكل العام لا يبدو أنها من بقايا تنظيم داعش، أو تنتمي إلى مجموعات مماثلة تتخذ من المبادئ الإسلامية منطلقاً لها، لكون وضع صورة رأس أسد في وسط رايتها، يخالف منهاجها الديني، باعتبار أن كل ذي روح محرم، ومن ثم لا يمكن اعتماد صورة رأس الأسد في تصميم راية يقاتلون تحتها، عدا أن الحديث عن أصحاب الرايات البيضاء، نقلاً عن سكان محليون، تم تضخيمه إعلامياً.
الترجيح الأقرب لهوية المجموعة الإرهابية، هي أنها مجموعات كردية متفرقة من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وحزب العمّال الكردستاني، وبعض من «جيش أنصار السُنّة» من الأكراد، و«البيجاك» وهو تنظيم كردي إيراني معارض، وخاصة أن عملياتها تنطلق من المناطق الجبلية التابعة لإقليم كردستان، لترويع السكان المحليون من التركمان خصوصاً، باستهداف مدنهم في قضاء طوزخورماتو، إضافة إلى بعض البلدات والقرى في سلسلة تلال حمرين، شمال محافظة ديالى، والاشتباك مع الحشد التركماني لجره إلى قتال موسع، ما يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في عموم المناطق المتنازع عليها، كواحدة من أساليب الضغط على الحكومة الاتحادية بعد خلافها مع حكومة إقليم كردستان في العراق بشأن الاستفتاء على الانفصال الذي جرى في 25 أيلول الماضي.
لقد شهد قضاء طوزخرماتو والقرى المحيطة به، وهي من المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، اشتباكات بين مسلحين تركمان وقوات البيشمركة، كذلك شهد قصفاً متبادلاً بين مناطق يقطنها تركمان وأخرى كردية، قبل يومين من انتشار القوات الاتحادية في كركوك بتاريخ 16 تشرين الأول الماضي، وبحسب ما تدعيه المصادر الكردية، فإن أعمال عنف اندلعت في القضاء عقب انتشار القوات الاتحادية، ما أدى إلى تفجير 400 منزل وحرق ألف محل تجاري يمتلكها مواطنون أكراد، إضافة إلى نزوح أكثر من 50 ألف كردي من القضاء باتجاه القرى المحيطة.
ومما يُشار إليه، أن مواجهات المسلحة بين الأكراد والتركمان سبق أن وقعت عام 2015 في قضاء طوزخورماتو، وأنه على الرغم من تدخل الحكومة لفض النزاع بينهما، إلا أنها لم تنجح في إرساء أسس التعايش السلمي بينهما.
إن قضاء طوزخورماتو الذي يتبع محافظة صلاح الدين الآن، كان تابعاً حتى عام 1976 لمحافظة كركوك قبل أن يطولها النظام السابق في عهد صدام حسين بتغييرات إدارية ألحقته بمحافظة صلاح الدين، لخلخلة التركيبة الديمغرافية لمحافظة كركوك، ومن ثم خضوع القضاء لعمليات «تكريد» من الأكراد بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، ومن ثم يعتبر القضاء منطقة ربط إستراتيجية مهمة جداً، تربط بين بغداد ومحافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك، وكذلك محافظات إقليم كردستان، عدا عن امتلاكه حقول نفطية وغازية، ما يجعله عقدة نزاع دائم.
إن السيطرة على قضاء طوزخورماتو بوصفه عقدة تحكم إستراتيجية هو مفتاح وحدة العراق وكذلك مفتاح تقسيمه، فهل يُوظف التنظيم الإرهابي الجديد «الرايات البيض» لهذا الغرض بعد أن أصبح حاملو الريات السود من الدواعش مستهلكين؟