عملية إدلب والضربات الغامضة على حميميم
| أنس وهيب الكردي
مع انطلاق عمليات الجيش السوري وحلفائه العسكرية في شمال حماة وجنوب إدلب، تواترت الأنباء عن ارتفاع مستوى جاهزية الجيش التركي استعداداً لتنفيذ عملية عفرين، بينما تعرضت قاعدة حميميم الجوية لضربات لا يزال الغموض يلف ملابساتها.
وأعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال جولته الشرق أوسطية نهاية العام الماضي، والتي شملت حميميم وأنقرة والقاهرة، إشارة البدء لتنفيذ اتفاق خفض التصعيد في إدلب، والذي توصلت إليه روسيا وإيران وتركيا على مرحلتين في خريف العام 2017 الماضي، ويتضمن نشر قوات مراقبة تركية وروسية وإيرانية في مواقع ضمن جغرافية إدلب وجوارها، وتوزيعها ما بين القوى المتنافسة هناك.
ويبدو أن تزايد الحشود التركية وارتفاع مستوى جاهزية الجيش التركي في مناطق جنوب تركيا المواجهة لعفرين، وكأنه على صلة بتطور عمليات الجيش السوري وحلفائه العسكرية في شمال إدلب، والمتركزة في المنطقة «1» المحددة في اتفاق خفض تصعيد إدلب، أي تلك الواقعة شرقي سكة حديد الحجاز، لقد ربطت أنقرة ما بين مصير إدلب وعفرين بشكل محكم خلال محادثات أستانا العسكرية، وجعلت أي تفاهم بشأن القضاء على «هيئة تحرير الشام» التي تقودها «جبهة فتح الشام» أي جبهة النصرة سابقاً، مرتبطاً باتفاق مماثل بخصوص «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تسيطر على منطقتي عفرين وتل رفعت في ريف حلب الشمالي.
وللمرء أن يتصور الأتراك وقد ألحوا خلال مفاوضات أستانا، على تصفية وجود «حماية الشعب» بشكل كامل في عفرين وتل رفعت، وأن الروس رفضوا ذلك بشكل مطلق، مقترحين مقاربة وسط تزيل فتيل التوتر بين «وحدات الحماية» والأتراك عمادها الفصل بين المقاتلين الأجانب في الميليشيا والمقاتلين السوريين، وإقامة منطقة عازلة تحت سيطرة الجيش السوري وبها وجود لمراقبين عسكريين روس من مركز حميميم.
طرحت أنقرة إستراتيجية مماثلة للتعامل مع «هيئة تحرير الشام» في إدلب، تقوم على الفصل ما بين السوريين والجهاديين الأجانب المنضوين تحت لواء الهيئة، وتقسيم المحافظة إلى مناطق نفوذ للمسلحين والجيش السوري يفصل بينها منطقة عازلة تنتشر فيها قوات مراقبة روسية.
والأرجح أن اتفاق خفض التصعيد حول إدلب ترافق مع ملحق بخصوص منطقة عفرين، تعمل أنقرة على تنفيذه على الأرض، وسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تمهيد الطريق أمام الفصل الجديد من تنفيذ اتفاق إدلب خلال زيارته إلى باريس ولقائه نظيره الفرنسي إيمانول ماكرون، والتي جاءت ضمن مساعي أنقرة لاستغلال الفجوة ما بين واشنطن والعواصم الأوروبية حيال قضايا الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من اهتمام كل من الصين ومصر بمصير إدلب، نتيجة انتشار الحزب التركستاني الإسلامي، المؤلف بالكامل من عناصر متحدرة من إقليم سنغيانغ، ووجود عشرات القيادات المصرية في «جماعة خراسان» المنتشرة في منطقة إدلب، وتتبع بشكل مباشر لإمرة أيمن الظواهري أمير تنظيم القاعدة، إلا أنه لا يبدو أن لهما أي دور في المشهد العسكري الحالي.
في المقابل، لا تبدو الولايات المتحدة راضية بخصوص العملية القائمة في إدلب واستبعادها عنها. وهي تنظر بعين الريبة إلى التفاهمات التركية الروسية في شمال غرب سورية، وأكثر ما يقلقها أن تترافق عملية إدلب بعملية تركية ضد عفرين وهو ما يبدو أنه حاصل حالياً، وتريد واشنطن أن تكون لها كلمة في شؤون غرب سورية، خوفاً على مصير نفوذها ووجودها العسكري في شرق البلاد، والذي يستند إلى «قوات سورية الديمقراطية» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» ذراعها الضاربة.
ويخشى المسؤولون الأميركيون من أن يؤدي حل قضية عفرين عسكرياً بعيداً عنهم، إلى التأثير سلباً على مصالح واشنطن، نظراً لارتباط «حماية الشعب» بما يجري في المنطقة، وإمكانية اهتزاز قبضة الميليشيا على شرق سورية نتيجة تراجع سيطرتها على عفرين.
هنا تأتي عمليات استهداف القاعدة الروسية في حميميم، والتي اتجهت الأنظار إلى جبهة النصرة وجهات إقليمية معينة لتحميلها المسؤولية عنها، إلا أنه قد يكون وراءها أطراف دولية أخرى لا تريد لعملية إدلب أن تتواصل، وهي توجه رسالة اعتراض مباشرة إلى روسيا.