دمشق تجمع 15 دولة عربية في اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الأدباء والكتاب العرب … سماحة المفتي لـ«الوطن»: الشام قبلة لأصحاب الكلمة الشريفة .. الأديبة كوليت خوري: أحب أن تدخل الثقافة في السياسة لا العكس
| سوسن صيداوي
الشام مدينة بحجم وطن كبير، الشام دانة بريقها آسر للأبصار، ومن كثرة الوله لها وشعور الحب والتعلّق بكل حواريها وأرجائها التي حفظت الذكريات في العقول، وخبأت رجفات الشوق وشغاف الحب في أكبر القلوب وأعمقها، كان مقدرا لها، أن يكون سرها كبيراً، لا يمكن البوح به، ولا حتى الإفشاء. الشام شامخة، عصية، أبية، الشام لن تكسرها محن، والزمن لا يستطيع أن يضنيها، فهي المباركة المنتصرة، ولهذا كانت وما زالت مطمعا لغزاة حاولوا لكنهم لم ينالوا منها إلا الهزيمة. وحالها اليوم كما هي عادتها، الشام أم تحضن كل من يأتي إليها وتعفو عمّا مضى. وفي هذه الفترة تحتفل سعيدة بقدوم أبناء لها، بعد مضي أكثر من عشر سنوات، بمناسبة افتتاح أعمال الاجتماع الدوري للمكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، هذا بمشاركة وفود من 15 دولة عربية إضافة إلى سورية، في قاعة أمية بفندق الشام. حيث تضم الوفود المشاركة أدباء وشعراء وباحثين يمثلون اتحادات وروابط وأسراً وجمعيات أدبية عربية، سيتحاورون مقدمين نتاجاتهم الإبداعية، وذلك خلال يومين في ندوة بعنوان: «ثقافة التنوير.. تحديات الراهن والمستقبل»، إضافة إلى لقاء شعري بمشاركة 22 شاعراً وشاعرة.
في الافتتاح… دمشق تجمع ربّان الكلمة
أكد سماحة المفتي أحمد بدر الدين حسون في تصريح خاص لـ«الـوطن»، أن اجتماع أرباب كلمة الحق والصدق في سورية في الوقت الراهن هو أمر غير مستغرب، مشدداً على أن كلمة الصدق هي من تُنجي المرء وتُنير حياته، قائلاً: (سورية هي وطن الأمة العربية، والشام ما كانت يوماً ما إلا قبلة لكل الشرفاء أصحاب الكلمة الشريفة، لذلك حينما نرى أدباء العالم العربي في دمشق، أنهم في الوطن الذي انطلقت منه الكلمة العربية يوم جاءت من المدينة المنورة إلى دمشق، كي تنشر نورها على العالم كله، فلذلك لا يمكننا أن نستغرب إذا رأينا ربان الكلمة هم في دمشق، ولكن ما أستغربه ألا أرى حكام العرب هم في دمشق، وسياسيي العالم هم في دمشق، واقتصاديي العالم هم في دمشق، لأن دمشق ستبقى هي التي قال اللـه عنها لقريش وللعرب: «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع «من الشام»، وآمنهم من خوف» «من اليمن». هذه هي سورية التي هي أمنهم من كل خوف، تقف اليوم شامخة لتستقبل كل أرباب الكلمة، والكلمة هي الصدق، وبكل كلمة صدق ينجو الإنسان في هذه الحياة).
تسيير الثقافة للسياسة
من جانبها تحدثت الأديبة والمستشارة في رئاسة الجمهورية العربية السورية كوليت خوري عن احتضان الشام الدائم للجميع حتى في أصعب الأمور وأكثرها تعقيدا، مؤكدة أهمية اجتماعات كهذه، حيث قالت «الشام دائماً في عيوني وفي قلبي، وأراها بشكل دائم وهي محتضنة لكل العرب، على الرغم من أن الكثيرين أساؤوا للشام، إلا أن الأخيرة لم تُدر ظهرها لأي أحد. ولقد حضرت إلى هذه المناسبة، لأن كلّ العرب هنا، وكلّ الأدباء هنا، وأعتبر أنهم أصحاب البيت وأنا الضيفة. وبالنسبة إلى هذه المناسبة لابد من الإشارة إلى ضرورة أن يجتمع الأدباء دائما، كي ينقلوا صورة ما يرونه، فالأديب الحقيقي من خلال قلمه، هو القادر على نقل ما يقوم به هذا العدوان الكوني على سورية بصدق. وحتى اليوم مازلنا، ومنذ سبع سنوات، نعيش في ظل تشويه وتضليل كامل، وهنا لابد أن أحيّي كل الأدباء الذين تمسّكوا بوطنهم سورية، وتحدّوا كل الصعاب، رغم كلّ ما جرى، وأيضاً أنا أحيّي كل من بقي في هذا الوطن الشامخ المنتصر على مرّ الزمان، فنحن منتصرون. وأخيراً هناك نقطة مهمة أحب أن أؤكدها، فبرأيي أنا أحب أن تدخل الثقافة في السياسة، لا أن تدخل السياسة في الثقافة، بمعنى أحب فكرة أن تُسيّر الثقافة السياسة، لا العكس، وبالنتيجة أنا أحب أن يكون السياسيون السوريون مثقفين لا أن يكون أدباؤنا سياسيين».
الكلمة… من أجل كلّ فلسطين
أشار الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية مساعد الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب في كلمته خلال افتتاح الاجتماع، إلى أن دمشق هي قلب العروبة النابض، وعلى الرغم مما أصاب العرب والعروبة من العصف والخسف، فلقد ظلت الشام تعطي للعروبة شكلها، وبأرضها تتشكل الأحقاب كما قال شاعرها القباني، متابعاً «هي تشمخ بقاسيونها ممجدة الحياة، تقاوم الإرهاب والتكفير والظلام بيد، وتبدع الحياة بيدها الأخرى. تدافع عن العرب جميعاً ضد إرادات الشر بيد، وتصوغ الحياة بالثانية كما دأبت على ذلك منذ كانت الحياة، بل كما تكفّلت السماء للنبي الكريم بالشام وأهله، الشام حيث تسعة أعشار الخير كما حدّث، وحيث الحياة تضاحك الحياة رغم عبدة الموت والدم والخراب، رغم خونة الحياة». مضيفاً «آمل أن يكون هذا الاجتماع منعطفا حقيقيا في مسيرة الاتحاد العام للأدباء العرب، يجمع شمل المثقفين العرب تحت راية الكلمة السواء فيما بينهم، الكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فما يترّبص بأمتنا، وما يتهددنا جميعا، لا سورية وحدها ولا فلسطين ولا أي جزء آخر من بلاد العرب، يستوجب إخلاص الأديب العربي لضميره، كما يستوجب طهارته من دنس الاستزلام والاستتباع لمشعلي الفتن وموقدي الحرائق وتجار الخرائب». وأخيراً دعا دكتور الصالح أن يكون هذا الاجتماع الدوري فرصة لتوحيد الصف الثقافيّ العربيّ، ولتشكيل جبهة ثقافية عربية مقاومة لمختلف أشكال التجزئة والاستتباع والاستلاب والإرهاب والفكر التكفيري، ومختلف أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، وخاصة أن قرار الرئيس الأميركي أسقط الأقنعة عمن يزعمون أنفسهم حرّاس الحرية والديمقراطية والسلام، مقترحا على المشاركين أن يكون شعار هذا الاجتماع (الكلمة من أجل فلسطين.. كل فلسطين).
دمشق عاصمة الاتحاد العام
من جانبه أكد حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب دور دمشق التأسيسي في الاتحاد العام قائلاً «اتحاد الكتاب العرب في سورية عضو مؤسس، ودمشق عاصمة الاتحاد العام، فطالما احتضنته ورعته، وطالما رعت أشغاله ومنتدياته. الدور هذه المرة، على سورية، وهو دور تأخر كثيرا، وكانت دعوة الاستضافة الكريمة مطروحة دائماً في السنوات الأخيرة على طاولة المكتب الدائم، بين الوعد والتأجيل، نتيجة غير سبب، وها نحن اليوم في دمشق، محققين أهداف النظام الأساسي للاتحاد العام، حيث التواصل الثقافي العربي أولوية، وحيث استضافة المكتب الدائم حق أصيل يتداول بين الاتحادات المنتمية للاتحاد العام». مشدداً على أن هذا الاجتماع رسالة تضامن مع المثقف والكاتب السوري، وهو دعوة موجهة إلى المبدع العربي السوري نحو تحقيق اللقاء الضروري مع محيطه العربي، الأمر الذي يقتضي أن يلتقي كتاب ومبدعو سورية أولا على المشتركات الكثيرة، وخاصة أنهم ومن بعد أجدادهم وآبائهم، الملهمون السابقون والحاليون للأجيال العربية على امتداد الجغرافيا والتاريخ.
كما أشار الصايغ إلى الوعد الجديد المتعلق بالقدس، على حين سبق الاتحاد العام الجميع، حكومات ومنظمات وأفراداً، في إدانة الخطوة الأميركية المشؤومة حتى قبل أن تتخذ، أصدر بعد اتخاذها بياناً في اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية وقع عليه أدباء وكتاب ومفكرون وأكاديميون عرب، وأرسل إلى الأمم المتحدة وجهات عربية وعالمية معنية، متابعا «تعد الأمانة العامة الآن لإقامة مؤتمر عربي وعالمي عنوانه (القدس.. المكانة والمكان) خلال شباط القادم، ما يعد تتويجا لجهود سابقة للاتحاد في إطلاق اسم (القدس) على أرفع جوائز الاتحاد».
دمشق هي كل العواصم العربية
من جانبه أشار مراد السوداني الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين في كلمة باسم الوفود المشاركة، إلى أن دمشق التي تنفض عن جسدها الحر الهموم والجراح هي صوت الحق والحقيقة، متابعا «قل إنها دمشق، صوت الحق والحقيقة، بعمق وحق وصدق، طوبى لها في هذه اللحظة الوسيعة الغامرة وهي تجمع المثقفين والكتاب والأدباء العرب في قلوبهم، لتضيء بما يليق بسيرتها ومسيرتها وإرثها المجيد وفعالها وعطاياها الباذخة. طوبى لدمشق بعد سبع كالحات كاويات خلون، وها هي تنفض عن جسدها الشهم والحر الهموم والجراح الرانخة، وتنهض باكتمال نشيدها وقولتها الواثقة الصادقة، لتؤكد من جديد عهدنا بها وانحيازها للخير العام ضد الجراد الآدمي وسياقات الفتنة والمحو والإلغاء وأدوات الموت المجاني والوحوش المركبة التي تعيد إنتاج الموت والدمار والذبخ وتفكيك المفكك، وتجزيء المجزأ». ويتابع «دمشق هي كل العواصم العربية، وكل الجراح التي أصابتها أصابت كل عاصمة منا، وفبرأس حربتها القدس أقرب نقطة بين السماء والأرض، حيث سدرة البهاء والحضور التي أراد لها الاستعمار المسنود بكل استطالات الموت، أن ترفع الراية البيضاء بعد القرار المشؤوم قرار ترامب، فرفعت راية الرفض وإرادة الرفض، لتقول إنها رافضة للانقسام مثلما هي القدس واحدة موحَّدة وموحِّدة لكل الفعل، بما يليق وبالتضحيات الجسام وبالفعل المجيد، ها هي دمشق بعد سبع خلون تنهض من جديد وتعيد المقدم للنتائج وتردها إلى مقدماتها الواجبة وأسسها الصحيحة، لكي نقول إن النخب الثقافية العربية ما زالت تعرف وجهتها وما زالت تؤكد مرة أخرى أن سياقاتها في العزل لسورية ولبقية الأقطار العربية وللسواد الذي ينتجه الجراد الآدمي والذي يأتي على الحياة وأسبابها، ما كان ليكون إلا لإغماض العين عن فلسطين، وها هي النخب من جديد تصحح البوصلة، نحو دمشق».
جانب من الوفود العربية
أكد صالح خطاب نائب رئيس الوفد الجزائري وعضو في اتحاد الكتاب الجزائريين وشاعر أنه جاء كي يشارك في انتصارات سورية قائلا «أنا جئت بصفتين الأولى أنني من أسرة شهداء، وكي أشارك الأشقاء السوريين احتفالات النصر، وفي الدرجة الثانية جئنا كي نثبت لغيرنا من العرب، أن سورية جزء من الوطن العربي لايمكن التخلي عنه، وأنه إذا تألم عضو في سورية، تألم الوطن العربي بأكمله. هدفنا أننا نريد أن نتوحّد في حماية وطننا واستقلاليته، فنحن لا ندعو مثلا إلى توحيد المناهج، فليفكر كل امرئ حسب هواه، ولكن ما ندعو إليه هو ألا ننساق إلى أعدائنا، فما تعرضت له سورية واضح وضوح الشمس، وما تعرضت له هو مؤامرة صهيونية أميركية غربية، والهدف منها هو دفن القضية الفلسطينية، ثم ينساق للأسف الشديد ذوو الأعراب ليبينوا لنا أن الجمهورية العربية السورية التي صمدت بوجه العدو الصهيوني، ويظهروها وللأسف الشديد أنها عدو للأمة العربية، وهذا الكلام الذي لا نطيق قوله. إذاً أؤكد أنني جئت لأشارك بانتصارات سورية وبأفراحها المستحقة».
في الجلسة الأولى: ثقافة التنوير…
تحديات الراهن والمستقبل
أكد أ. د. أسعد السحمراني أمين شؤون الانتساب والعضوية في اتحاد الكتاب العرب في لبنان في كلمته التي استهل بها الجلسة الأولى والتي جاءت ندوتها تحت عنوان: «ثقافة التنوير…تحديات الراهن والمستقبل»، أن الوطن العربي يعيش حالة من الفوضى سببتها مشروعات وأطماع استعمارية، يأتي على رأس قائمتها الاستعمار الصهيوني، متابعاً «الموقع الإستراتيجي لفلسطين جعلها في دائرة الخطر، وقد التقت على اغتصابها الإرادات الصهيونية العنصرية والأوروبية الطامعة، لأنها تصنف البحر المتوسط إستراتيجياً على أنه بحيرة أوروبية، ومعها الإرادة الأميركية في واشنطن، فهي وريثة أوروبا حضاريا من جهة، وقيادتها وتيار عريض فيها متصهينون». متابعاً «إن هناك دراسة حديثة تشير صراحة إلى الأمة العربية ومقومات وحدتها، وتحرّض على اغتصابها ليكون احتلالها عائقاً مانعا لوحدة الأمة. وأن العامل الآخر في مسببات الفوضى هو العامل الفكري على المستوى الديني والسياسي والاقتصادي والتربوي، هذه الفوضى الفكرية التي استفادت من التقدم في وسائل الإعلام ووسائط الاتصال أنتجت ظلامية طغت على عقول فئات واسعة وكان بسببها فتن وشرور زرعت القتل والدمار والتخريب» مضيفاً «سبب الربط بين التنوير والتثوير، أنه عملية تحويل القول إلى فعل، والنظرية إلى تطبيق، والأفكار إلى أعمال. فالفكر المتنور أو المستنير تتجلى قيمته وتحصد الأوطان ثماره ومواسمه، عندما يتمثّل حركة شعب باتجاه التغيير، وحركة الشعب التغييرية هي الثورة، ولا ثورة بلا مؤسسات، لأن حركة الفرد تصبح حالة انفعال من فرد ضد المجتمع بأكمله، لذلك تصبح الحالة المرجوة هي تنوير فكري ومؤسسات سياسية وأهلية ونقابات واتحادات تحمل هذه الأفكار وفق خطط وإستراتيجيات محسوبة خطواتها في حركة المجتمع باتجاه الأهداف الثورية التي صاغها قادة الفكر والرأي».
حاجة الشباب إلى التنوير
استهل الأستاذ باقر الكرباسي عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق مداخلته التي جاءت تحت عنوان: (حاجة الشباب إلى التنوير) بالحديث قائلاً: «الدنيا تراجيديا إنسانية مؤسفة، تباينت فيها ألوان الصراعات دينية وعرقية وإقليمية، فيولد الشباب العربي ويرى أمامه دماء في الأزقة وانهياراً وحروباً وأسلحة وهو ما يعني أن هذا الجيل يولد بثقافة مغايرة منتقدة مأزومة بمشكلات فرضتها أحداث متلاحقة، فبالرغم من اللوحة السوداوية التي تحيط بالعالم العربي في المرحلة الراهنة، يبقى الأمل بالتغيير وبالغد الأفضل رهناً بتفعيل دور الشباب الواعي، وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني وبث أفكار التنوير في أذهانهم كي يسهموا في تغيير اللوحة القاتمة. في الواقع، بدأ شبابنا العربي يدرك الفرق بينه وبين شباب الدول المتقدمة، حيث يجدون أنفسهم في دوامة عنيفة لصراع حاد بين الأفكار والإيديولوجيات، ومن صيغ للديمقراطية يتمتع فيها الناس بحريات واسعة إلى نظم تقوم على درجة من القمع والإرهاب لم يشهد التاريخ مثله، ومن هذا المنطلق وجدت أن شبابنا العربي يحتاج إلى وسائل مهمة للتغيير أولها التنوير». مشيراً إلى أهمية مرحلة الشباب التي يقع عليها الأمل في إحداث التغيير ويكون من خلالها الغد أفضل وكل هذا مرهون بتفعيل دور الشباب الواعي وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني وتجديد نظام القيم الإنسانية، وإحداث نقلة نوعية في التعليم الجامعي والتعامل مع العولمة من موقع العامل فيها وليس الخاضع لسلبياتها والاستفادة من ثورات العلوم والتواصل لبناء جيل عربي جديد قادر على مواجهة تحديات العولمة. خاتما بالقول «من هنا يجب أن يدخل الفكر التنويري إلى أذهان الشباب من أجل أن يكون التغيير الذي يرغبون فيه صحيحاً، فالمصلحون والمفكرون التنويريون عملوا على ذلك وزودونا بآليات التنوير للأخذ بها والعمل عليها من أجل مجتمعات صالحة تستطيع الشعوب العيش فيها بسعادة وسلام وتسامح وأمان».
التنوير.. هو مقاومة الفكر التكفيري
من جهتها حملت مداخلة د. ناديا خوست عنوان: «التنوير.. هو مقاومة الفكر التكفيري» وفي المقدمة قالت: «تشهد السنة السابعة من الحرب على سورية أنها مشروع سياسي، نفذته عصابات مسلحة بتعبئة فكرية تكفيرية أباحت الذبح والسبي والنهب، وبمقدمات نظرية سوغت إلغاء العدو الصهيوني وتدمير مؤسسات الدولة السورية، ووضع إيران وروسيا وحزب اللـه مكان العدو المحتل. وقد أنجزت الحرب في الواقع أحد أهدافها حيث نقلت الصراع العربي الصهيوني من مواجهة إسرائيل إلى الحرب على الجيوش العربية، واستهدفت في سورية قواعد الصواريخ والمطارات ومواقع الجيش، والبنية الاقتصادية والسكك الحديدية والمستشفيات والمدارس والمزارع، وكل ما تمنى العدو قصفه وتغطت بمعارضة ثقافية علمانية وهي تخضّب لحاها وتلحن في لغة القرآن ويخرج لها الأفلام عن جرائمها خبراء غربيون». متابعة إن أخطر ما يواجه العقل المتنور اليوم هو الفكر التكفيري وحليفه الفكر العنصري الاستعماري، ويفترض هذا أن يكشف الباحث الوطني الأساس النظري الذي يبنى عليه مشروع التدمير، كي يضع مسار أبحاثه في اتجاه صحيح، ويبرئ نفسه من عزلة المثقف العربي عن تحليل الأحداث ومواجهة الأخطار على الهوية والحضارة والمصير. وفي الختام خلصت صاحبة كتاب «أوراق من سنوات الحرب على سورية» إلى نتائج أبرزها: يفترض الاعتراف بتقصير الكتاب في محاولة المقاومة الوطنية لكشف العدوان عليها كما تقدم الشعراء والمفكرون، فهم لم يواجهوا الفكر التكفيري بالقوة التي واجه بها المقاتلون عصاباته، ولم يحرك قصف الشعب اليمني العواطف الإنسانية التي يفترض أن تكون في نسيج الوجدان، وتنبهنا المشاريع إلى ضرورة وجود مراكز بحث تواجه مفكري النظام الاستعماري الأميركي وتكشف دورهم في صياغة مسوغات فكرية للسياسة الأميركية، وتواكب المقاتلين المدافعين عن الوحدة الوطنية والجغرافيا، ويفترض الانتباه إلى خطر استخدام مقاطع من دراسات برنار لويس أو هنتنغتون كأنهما باحثان حياديان، وقد شهدت وحشية العصابات المسلحة التي خلقتها أميركا على شرور موضوعات برنار لويس، ويفترض في الكتاب والمثقفين أن يعبروا عن ضمير الأمة».
التنوير والتكفير
من جهته أوضح أستاذ الفلسفة فريد العليبي من الجامعة التونسية في مداخلته على الاختلافات بين التيارين في الفكر العربي، التيار التكفيري والتيار التنويري، قائلاً: «ينظر التيار التنويري إلى المسائل في الحياة من زاوية العقل والفكر النقدي والعلمانية والتقدم واحترام المرأة والوطن، ويجب على هذا التيار أن يستعيد دروسه ومنجزاته وأفكاره ومكاسبه. على حين بالمقابل التيار التكفيري الذي هو قديم في الثقافة العربية ويمكن ربطه بالغزالي وابن القيم الجوزية وغيره، حيث يقوم على التكفير وينظر إلى المسائل من زاوية تغطي خطابه السياسي بالمقدس الفكري، بمعنى أنه يقدم ذاته على أنه صاحب خطاب ينتصر لله لكنه يخاتل بالمقدس لكي يسوغ ويبرر لطرف سياسي باسم اللـه والدين وشعاره الإسلام، لكن في الحقيقة ينبغي البحث في الإسلام عن بدائل، والبديل هو إعادة الاعتبار للفلسفة وخاصة العربية مع الانفتاح على الفلسفة الكونية، فإذا نشرنا اليوم التفكير الفلسفي فلن نتحدث عن مدينة الكفر، وإنما سنتحدث عن المدينة الفاضلة التي يحترم فيها الناس بعضهم بغض النظر عن جنسهم ولونهم، ومن هنا يتم التأليف بين الكوني والخصوصي، والتنوير تكون له رافعته الفكرية والاجتماعية والسياسية ويمكن أن ينتصر».
ضياع الثقافة بالسياسة
على حين شدد د. يوسف حسن من اتحاد الكتاب العرب في الإمارات على الأزمة التي تعيشها الثقافة العربية، من حيث الخلل في فهم كثير من المثقفين لمسألة ثقافة التنوير التي لها وجه آخر هو الوجه الإمبريالي الاستعماري. مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في أن المثقف العربي يتحدث في السياسة أكثر مما يتحدث في الهم الأدبي أو الخطاب الثقافي، فهو لا يجيد السياسة ومن ثم يفقد حتى إنتاجه وإبداعه، وهناك أزمة عند المثقف العربي، يمكن أن يكون كاتباً للسلطان ومعادياً له. متابعاً «لا يوجد في الثقافة قصيدة أو رواية أو مسرحية إنما هناك انحطاط ثقافي وسياسي في مجتمعنا، ومن الأجدر بهؤلاء المثقفين أن يتحدثوا ثقافة، ليس فقط الفكر التكفيري الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، بل أيضاً التنمية المعوقة، والفكر القومي المعوق أيضاً لم يستطع أن ينهض بهذه المجتمعات فهؤلاء من أين نبتوا؟. لقد تربوا في هذه البيئات وصفق لهم الكثير من المثقفين، وهناك دول تتحدث بالمنطق الديني والإلهي، وعلى المثقف أن يؤسس للثقافة التنويرية بين الشباب».