الاستعراض القاتل
| زياد حيدر
بعد كل هجوم إرهابي، يتحدث الناطق الإعلامي لدينا عن «إفلاس المجموعات المسلحة وداعميها»، وهي عبارة تقابل بتهكم أحياناً على وسائل التواصل نتيجة التكرار الممل للعبارة، إلا أن التدقيق فيما يجري يشير إلى إفلاس ما في واقع الحرب، يتمثل أولاً في الإفلاس الأخلاقي، الذي كلما اعتقدنا أنه في مكان تبين أن رعاة الإرهاب قادرون على تجاوزه، وثانياً استنزاف الوسائل واستخدام أكثرها خطورة حتى الآن.
في تصريح له حذر الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنكوف من الخطر المتمثل بإيصال تقنية «جديدة» خطرة لأيادي الإرهابيين، معتبراً «حقيقةً أن تسليم المقاتلين تقنية التجميع والبرمجة من الخارج تشير إلى أن حجم التهديد لن يقتصر على سورية فقط».
كان كوناشنكوف يشير إلى الهجوم المنظم والاستثنائي الذي قامت به مجموعة من الطائرات المسيرة على القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس، والذي أفشلته التقنيات الإلكترونية الروسية.
لسنا بصدد، معنى الهجوم الفاشل وأهدافه، وإنما بصدد السؤال: من سمح لهم بالحصول على تقنية من هذا النوع لا تمتلكها سوى الدول؟
ووفقاً لوزارة الدفاع الروسية فإنه على الرغم من المظهر البدائي المقصود للطائرات، إلا أن أجسامها امتلكت تقنيات عالية للتسيير عن بعد، واختيار أهدافها وطريقة إلقائها للقذائف، وتصوير عملية الهجوم.
مجدداً، من دون الحاجة للجوء للتحليل السياسي حول من يقف خلف الهجوم ولماذا، وغيرها من الأسئلة الضرورية، وما هو مثير هو تجاهل الخطر الذي يمثله ترويج تقنية كهذه لتصل إلى جماعات مسلحة راديكالية التوجه في أحسن حالاتها، إن لم تكن من صلب تنظيم «القاعدة».
يستطيع مطلق الطائرة إصابة هدفه عن بعد 100 كم إن توافرت لديه التقنيات اللازمة، وهي في حالة الهجوم الأخير كانت موجودة بحدود خمسين كيلومتراً، ما يعني مجدداً ترويج تقنية في منتتهى الخطورة بين يدي التنظيمات الإرهابية تستطيع استهداف العواصم الكبرى «الآمنة» بعد تحضير كاف.
يحكى أن قائداً حربياً يقال إنه جنكيز خان كان من أوائل من استخدم سلاحاً بيولوجياً، بالمعنى الذي سمحت به الظروف حينها، ذلك أنه كان يقصف بالمنجنيق الحربي المدن التي يحاصرها، بجيف أسراه ومقاتليه وما توافر من حيوانات نافقة، الأمر الذي كان يتسبب بالأمراض الوبائية داخل الأسوار، والتي كانت تفتح له أبواب مدن أشباح خائرة مريضة موبوءة ومخيفة.
اختراع السلاح كان ضرورة دوماً، لكن ضبطه والسيطرة عليه ظل مستحيلاً، وخصوصاً حين تصبح إمكانية تجميعه متوافرة في المتاجر العامة بشكل بدائي.
اخترع الأميركيون تنظيم «القاعدة»، بمزج عنصريها الرئيسيين حركة طالبان والمجاهدين العرب، وغذوها من المال السعودي والاجتهاد الرجعي الوهابي، حتى جاء اليوم الذي هاجمتهم في كبرى مدنهم، وزعزعت مكانتهم الجبارة بين دول العالم.
لكن الدول لا تتعلم، كما يبدو، وما يجري في سورية، حتى وإن غاب عن أعيننا أحياناً، هو صراع دول وعقائد وأطماع أكثر منه أي شيء آخر.
وأيضاً فإن ما يجري لدينا، «للأسف طبعاً» هو استثمار ساحة حرب لتجربة السلاح المتنوع، ولكن يبقى الفارق كبيراً بين أن تنتشر تقنية السلاح المتطور بين الميليشات، وبين أن تبقى محمية في مستودعات الدول.
ما جربته الفصائل المسلحة من إدلب الأسبوع الماضي، سيتم تقليده سريعاً في العالم، وسينتقل من يد ليد، حيث يندم الداعم والمدعوم ولكن من دون إمكانية العودة إلى الوراء.