تصدع المؤسسة السياسية والاقتصادية الغربية وتحولات عام 2018
| قحطان السيوفي
مع بداية عام 2018 نستطيع القول إن العالم وصل إلى نهاية حقبة في الجغرافيا السياسية المتمثلة بأحادية القطب لفترة ما بعد الحرب الباردة، كما وصل العالم إلى نهاية حقبة اقتصادية مهمة أطلق عليها اسم العولمة التي قادتها الدول الغربية، وكتبت عن ذلك منذ أكثر من عام متسائلاً عما إذا كنا سنشهد نوعاً من التصدع والتفكك للنظام الليبيرالي الذي أوجدته الولايات المتحدة بعد الحرب الكونية الثانية لندخل في مرحلة تراجع العولمة.
بعد عام على تولي دونالد ترامب مهام الرئاسة الأميركية، يبدو أن التصدع والتفكك أصبح أكثر احتمالا في المؤسسة السياسية والاقتصادية الغربية، مع الطابع الخاص الذي يميز رئاسة ترامب، بمخالفة السلوك العام، واستغلال المنصب، ومهاجمة القضاء والإعلام، والمؤسسات.
من حيث المبدأ، يفترض أن حكم ترامب يستند أساسا إلى كونه رئيساً جمهورياً تقليدياً «ممن يقدم السياسات لمصلحة أغنياء القلة، لكن صفاته ومواقفه الشعبوية تجاوزت ذلك بكثير في الداخل وتجاه التحالفات الأميركية والآراء المركنتلية الضيقة نحو التجارة الحرة.
بالمقابل أسلوب الديكتاتورية الشعبية، والذي يعرف مجازا باسم «الديمقراطية غير الليبرالية» يعتبر السمة المميزة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يستأثر بالسلطة الرئاسية كدكتاتور عثماني جديد.
في المملكة المتحدة لم يعمل الاستفتاء على قرار البريكست في عام 2016، حتى الآن، على اجتذاب المقلدين داخل الاتحاد الأوروبي؛ وفي فرنسا، نجح إيمانويل ماكرون، والانتخابات الألمانية أضعفت نسبياً قدرة المستشارة أنجيلا ميركل، في الوقت الذي يتبين فيه أن الانتخابات الإيطالية المقبلة قد تحدث الاضطراب في إيطاليا، وحتى في كامل منطقة اليورو.
في هذا السياق، شهدنا حصول تطورات مهمة: أحدها كان القرار الذي اتخذه ترامب بالانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر الباسفيكي، وإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ويمكن القول إن من بين هذه التطورات السياسية في عام 2017 ما حدث في الصين، ومن الواضح أن الرئيس تشي جين بينغ عمل على تثبيت وتعزيز هيبة الحزب والدولة، وبرز كزعيم قوة عظمى آخذة في التصاعد، وقد حاول الرئيس الصيني ارتداء عباءة العولمة حيث أيد العولمة في منتدى دافوس للاقتصاد العالمي الأخير، على حين أكد ترامب مزايا الحمائية.
وأيضا، ترامب ينتقد الصين في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ «أبيك» الأخيرة في فيتنام، والرئيس الصيني تشي يرد، بالدفاع عن العولمة وضرورة تطوير التجارة الحرة، وتشير إجراءات ترامب الشعبوية الانعزالية إلى رغبته في إضعاف الرأسمالية والعولمة، ويتعين أن ننظر إلى تلك التطورات على خلفية من الاتجاهات طويلة الأمد، والأكثر أهمية من ذلك، هو وضع البلدان الغربية التي تعاني تراجعا نسبيا.
إن الإنفاق العسكري في الصين آخذ في الارتفاع بشكل حاد، مع أنه لا يزال يشكل ما نسبته 2 بالمئة فقط من الناتج الأهلي الإجمالي، كما انخفضت حصة البلدان الغربية من الإنتاج العالمي بنحو 20 نقطة مئوية منذ بداية هذا القرن، بأسعار السوق، وانخفض نصيبها في التجارة السلعية العالمية 17 نقطة مئوية.
عملت تلك التطورات على إحداث تراجع وتصدع في الغرب ككيان متماسك أيديولوجي، فالتعاون الوثيق بين البلدان الغربية كان ناتجاً عن إرادة الولايات المتحدة، وهذه الأخيرة تنبذ حالياً القيم وتركض وراء المصالح الضيقة، بالمقابل فقدت المثل العليا الغربية الحديثة للديمقراطية والأسواق العالمية الليبرالية هيبتها وجاذبيتها، في نظر البلدان النامية والناشئة، بل أيضاً في البلدان الغربية نفسها وارتفعت جاذبية الشعبويين الكارهين للأجانب، وظهر الإرهاب خلال الحرب الباردة وأوجدته الإدارة الأميركية وحلفاؤها في أفغانستان، واستمر وانتشر بدعم الغرب وشهد أكبر هزائمه في سورية على يد الجيش السوري وحلفائه روسيا وإيران، وقد يعاود الإرهاب الظهور في مناطق أخرى من العالم في 2018 بدعم من أميركا وحلفائها.
تتطلب إدارة الاقتصاد العالمي، والقضايا الأمنية، تعاونا بين البلدان الغربية والبلدان الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، ولا شك أن التعاون بين مثل هذه البلدان بات أمرا صعبا للغاية، وهنالك خطر حقيقي بوقوع نزاع بين الولايات المتحدة والصين، كما يجادل غراهام أليسون، الأستاذ في جامعة هارفارد، في كتابه «لمصير هو الحرب»، ويرى المتفائلون أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل والأسلحة النووية يجعلان الحرب أمرا يدل على الجنون، والمتشائمون يقولون إن الإنسانية لديها قدرة هائلة على ارتكاب الأخطاء وإيجاد الكوارث في ظل إدارة الرئيس ترامب.
ولكن هل ستبدأ إجراءات توجيه اتهام للرئيس ترامب بالتقصير وسوء السلوك؟ سوف يستعيد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب في الانتخابات النصفية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، وعادة يفقد حزب الرئيس دائماً بعض مقاعد مجلس النواب في الانتخابات النصفية، خاصة عندما يكون للرئيس نسبة تأييد أقل من 50 بالمئة، وهذا حال ترامب اليوم، وأي أمور يكشف عنها تحقيق روبرت مولر قبل ذلك التاريخ، يرجح لها أن تكون كافية لينقلب عليه الجمهوريون.
في عام 2018 قد ينفذ ترامب وعوده الحمائية التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية، عن طريق اتخاذ إجراءات عقابية بحق الصين بما في ذلك فرض رسوم جمركية على سلع صينية، وسيكون ذلك أول طلقة في حرب تجارية على الصين، وسترد الصين بقرار يفرض رسوماً جمركية انتقامية.
بالنسبة للنفط فإن العوامل المتعلقة بانقطاع الإمدادات والمخاطر الجيوسياسية سوف تستمر على الأرجح، أما الأسعار فقد تستطيع المحافظة على مستويات عند 70 دولارا للبرميل وذلك يعتمد على استعداد روسيا لمواصلة دعم الجهود لخفض الإنتاج، في وجه نمو إمدادات النفط الصخري الأميركي.
باختصار سيكون عام 2018 بداية فاعلة لحقبة سياسية وأخرى اقتصادية؛ الأولى القطبية الثنائية الممثلة بروسيا والصين، والثانية تظهر بتراجع العولمة، وأراني أسأل هل تصدع المؤسسة الغربية جاء نتيجة أم إنه سبب الفوضى العالمية التي تؤججها الإدارة الأميركية الحالية؟