نوازع الذات
| د. اسكندر لوقا
إذا ما عاد أحدنا إلى قراءة التاريخ البعيد نسبياً، فسوف يجد نفسه أمام عدد لا نهاية له من المنعطفات التي تجاوز الكبار من رجالات الوطن خطر الانزلاق أمامها وكان قد أريد لها، أكثر من مرة، أن تكون نهاية التاريخ في بلدنا، بدءاً من أول غزوة استعمارية قبل قرنين أو أكثر قبل الميلاد، وصولاً إلى آخر الغزوات الاستعمارية التي خبرتها سورية وتعايش تبعاتها حتى اليوم.
ولأن الحياة لا تسمى حياة إذا فصل الإنسان نفسه عن مجريات تفرض عليه التزامات المواطنة، فإنه يكون قد شق دربه نحو الحفرة التي حفرها بإرادته وأيضاً بوعيه.
الإنسان، كما نقدر، في أوقات المصاعب التي يتعرض لها، لا يقوى على هزمها إلا إذا تغلب على نوازع ذاته وتحديداً في حالة الضعف أو الاستكانة، وهي عديدة وأكثر من أن تحصى على الدرب، ذلك لأنه من البديهيات القول بأن الإنسان هو العامل الحاسم في كل معركة تفرض عليه في مجالات الحياة المختلفة.
وإذا نحن أدركنا كم هو فاعل في سياق السعي كي ينتصر على واقعه حين يكون في حاجة إلى تغيير أو إصلاح في الوقت المناسب، نقدر كم هو ثقل العبء على عاتق من يشارك في مثل هذا المسعى ولا يقف كما الراغب في قطاف ثمار شجرة وينتظر ساعة نضجها.
وقد يكون مفيداً التذكير بأن الحياة لا تسير كما يرغب أحدنا دائماً، ولكن مع هذا يجب ألا نحمّل من سيخلفنا أوزاراً سلبية لأنه كان في استطاعتنا فعل شيء نافع ولم نفعله ليس لسبب إلا لأننا لم ننجح في إقصاء نوازع الذات السلبية عن أنفسنا، ولأننا لم نحاول قراءة المستقبل كما ينبغي، فاستسلمنا لهذه النوازع من دون حساب على نحو القبول بالأمر الواقع.
إن قدرة الإنسان على مقاربة نوازع ذاته، تقارب قدرته على تخطي الحواجز التي تحول بينه وبين ما يصبو إلى تحقيقه في حال تبين له ما ينشده بشجاعة. وقد تتطلب هذه الخطوة شيئاً من المعاناة، بين هواجس الأخذ والعطاء، ولكن، مع ذلك، يجب أن يهون كل شيء من أجل تنقية الذات من الشوائب التي تكون قد لحقت بها.
إن شيئاً من هذه المعاناة يقارب تناول الدواء للقضاء على الداء، ومن هنا أهمية أن يعتاد الإنسان على قراءة تاريخ الكبار من جيل السلف الذين تمكنوا من تخطي حاجز التردد في السعي لتنقية الذات مما لحق بها من شوائب وكانوا كباراً وما زالوا حاضرين في الذاكرة الجمعية للبشرية وبينهم العديد من أبناء وطننا سورية بلد الفن والحضارة.