قضايا وآراء

مستقبل السعودية خلال هذا العام

| تحسين الحلبي

لا أحد يجب أن يشك في أن انقلاباً وقع في المملكة السعودية حين أجبر الملك سلمان بن عبد العزيز ولي عهده الأمير محمد بن نايف على الاستقالة لوضع ولي ولي العهد ابنه محمد ولياً وحيداً للعهد أمام مئات الأمراء من أبناء الملوك وغير الملوك الذين حكموا البلاد لأنهم أبناء عبد العزيز آل سعود. وكان من الطبيعي أن يتسبب هذا الإجراء الانقلابي الذي جرى بموافقة أميركية مسبقة بهزة في ملعب الأمراء وخصوصاً بعد اعتقال عدد منهم واتهامهم بالفساد وبضرورة التعويض عن فسادهم بالتنازل عن جزء من أموالهم..
وهذا ما تشير إليه البروفيسورة ماداوي آل رشيد المختصة بالشؤون السعودية في مركز الشرق الأوسط في لندن في تحليل نشرته قبل أيام بعنوان: «الصراع على الحكم ربما يتحول داخل آل سعود إلى عنف دموي» وتتوقع أن يتطور الصراع بين محمد بن سلمان والمتضررين من انقلابه خلال الأشهر المقبلة إلى اشتباك متصاعد بعد أن تبين أن محمد بن سلمان عمل على إبعاد المنافسين له بابتزاز أموالهم بدلاً من منحهم المال للسكوت فالكل يعرف أن طلال بن عبد العزيز آل سعود والد الوليد فرّ إلى بيروت حين اعترض على طريقة الحكم السعودي وهو من الإخوة المرشحين لأي ولاية عهد لكن الملك السعودي في الستينيات منحه مالاً مقابل امتناعه عن الاهتمام بالحكم فابتعد عن السياسة لكن ابن أخيه محمد بن سلمان ولي العهد الحالي قام بعكس ذلك حين أراد أن يفرض على الوليد ومحمد بن نايف وبقية الأمراء دفع فدية مالية للإفراج عنهم مقابل الامتناع عن الاهتمام بمنافسته على الحكم وبهذه الطريقة ولد حسابات كثيرة عند أمراء آخرين سيتضررون من انقلابه.. وهذا يعني أن عمليات الاستقطاب والفرز داخل ملعب الأمراء ستتواصل وتفرض ميزان قوى بين محمد بن سلمان واتباعه والمتضررين منه ومن يقف معهم ضده.. وتكشف البروفيسورة آل رشيد أن محمد بن سلمان بدأ يثير ضده الشارع السعودي حين زاد من أسعار الحاجيات الأساسية فأصحاب الدخل المحدود في السعودية يشكلون نسبة كبيرة وسيتحولون إلى متضررين من سياسته الاقتصادية وقد يستغلهم أمراء مناوئون ومتضررون للخروج إلى الشارع.. وإذا ما حدث ذلك فقد يفلت زمام السيطرة والتحكم بالوضع الداخلي.. وتؤكد البروفيسورة آل رشيد أن كل أمير من أمراء الدرجة الأولى مثل محمد بن نايف وغيره لا بد أن يكون لهم أتباع من الأمراء أو أحفاد الملوك يعتمدون في نفقاتهم على ما يقدمه هذا الأمير أو ذاك من هبات ويصبحون من الموالين لهم، وإضافة إلى هذا العامل الاقتصادي بين الأمراء وأتباعهم هناك عامل آخر ولد متضررين وهابيين من سياسة الانفتاح الاجتماعي التي تبناها سلمان وابنه تجاه النساء بشكل صدم المتشددين وجعلهم من المتضررين من سياسته اقتصادياً واجتماعياً ودينياً فثمة جيش من «الشيوخ المطوعين» الذين كانوا يعيشون من أموال الدولة والأمراء لحماية النظام العام الوهابي، وإذا كانت الإدارة الأميركية وأجهزتها لم تستطع حماية الرئيس المصري حسني مبارك أو الرئيس زين العابدين بن علي في تونس فلن تستطيع أيضاً حماية محمد بن سلمان إذا ما تعرض لحملة غضب من الجمهور وسيسهل عليها امتصاص نقمة الجمهور بتعيين ولي عهد أو ملك آخر بدلاً منه ويبدو أن المخابرات الأميركية «سي آي إيه» تدرك أكثر من هذه الحقائق ولذلك كان مايك بومبيو مدير الوكالة قد اجتمع قبل شهر بالملك سلمان وابنه محمد بحضور خالد بن سلمان أيضاً سفير المملكة في واشنطن وربما أطلع العائلة المالكة على ما لديه من مخاوف على الوضع الداخلي، وكان روبرت باير قد نشر عام 2003 مقالاً في المجلة الإلكترونية الأميركية «ذي أتلانتيك» قدر فيها بموجب تقارير الـ«سي آي إيه» أن عدد أفراد آل سعود يبلغ 30 ألفاً من الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد وجميعهم يعتمدون في نفقاتهم على أموال الدولة كأفراد من العائلة المالكة، ويستخدمون ما يزيد على 70 ألفاً من السائقين والخدم، وحين تتعرض هذه النفقات للتخفيض الشديد ستحدث حالة تغيير واسعة في المجتمع السعودي كله وحالة اضطراب وأزمة لن يستطيع ابن سلمان مواجهتها بنجاح. ولذلك ترى البروفيسورة آل رشيد أن عام 2018 سيحمل معه تطورات لم تكن العائلة المالكة تتوقعها وخصوصاً حين تجبر هذه التطورات السعودية على التراجع والانكفاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن