الاحتلال الأميركي وأكراد عفرين وتركيا
| عامر نعيم الياس
«الجهود التي تقودها روسيا لإنهاء الحرب في سورية ستفشل، ومن المتوقع أن يمتد الصراع إلى العقد المقبل»، جزء من تصريح ألدار خليل «السياسي الكردي رفيع المستوى» لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
الرجل لم تتوقف تصريحاته عند الصحيفة الأميركية بل كان من بين السياسيين الذين أعطوا شهادتهم لصحيفة «التايمز» البريطانية «فالإيرانيون ونظام الأسد لن يندفعوا للسيطرة على ما تبقى من سورية إذا بقي الأميركيون»، وهو ما يتماشى مع تصريحات نائب القائد العام لـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد» عبد القادر عفيدلي للصحيفة البريطانية ذاتها وقال فيها: «إن الوجود الأميركي يشكّل ضمانة بالنسبة للأكراد» وتسعى «قسد» إلى «تشكيل جيش خاص لمواجهة النظام وحلفائه»، ربما هذا الجيش هو الذي تولى الأميركيون الإعلان عنه يوم أمس وهو، حسب الرواية الأميركية، مسؤول عن «حماية الحدود السورية مع العراق وتركيا» ويتألف من الكرد والعشائر العربية التي تتولى الانتشار على طول وادي الفرات.
تصريحات المسؤولين الأكراد، تعكس حجم الرهان الكردي على الاحتلال الأميركي لأجزاء من سورية، هي نداءات كردية لبقاء القوات الأميركية المحتلة في سورية «كضمانة»، لحكم ذاتي كما يحلو للغرب توصيفه وليس استقلالاً عن سورية، خطاب هو الآخر يشكل مرتكز التوجه السياسي الكردي في المدى المنظور، بين بقاء أميركي، ومطالبة بحكم ذاتي على قاعدة عدم التفريط بوحدة سورية وهي اللازمة المرافقة للخطاب الدولي الرسمي من الملف السوري والذي يشكّل نقطة إجماع رسمية بروتوكولية حتى اللحظة، فضلاً عن فرض أمر واقع ميداني في سورية وحدود داخل الحدود الرسمية للبلاد، دون أن يتم صبغ كل ما سبق بأي صبغة رسمية.
الأكراد، والذين تنبأ لهم ألدار خليل ببقاء الحرب في سورية لعقد مقبل، يجدون أنفسهم اليوم بمواجهة الأتراك في محيط عفرين، فهل استجداؤهم للأميركيين ينطبق على عفرين، وهل يراهنون على دفاع الأميركيين عليها، أم يدركون استحالة ذلك، ويريدون تركها لمصيرها؟ هل يعتبر الأكراد، الذين يروجون لمظلوميتهم التاريخية في سورية اليوم ومنذ بداية الحرب عليها، أنهم فئات غير متجانسة وغير موحّدة، وبالتالي الوجود الأميركي كضمانة يجب أن يقتصر على شرق سورية، وليس على عفرين إلى الغرب؟ هل نحن اليوم أمام استئثار مكوّن كردي يملك ميليشيا عسكرية بالقرار الكردي؟
إن مناطق انتشار جيش الاحتلال التركي شرق وجنوب عفرين، بالتوازي مع انتشار القوات الروسية في تل رفعت إلى الشرق من عفرين أيضاً، وانتشار الجيش السوري في حلب جنوب تل رفعت وشرق عفرين، يأخذ الأمور باتجاه دفاع الجيش السوري عن وحدة الأراضي السورية وسيادتها، وهو ما يبدو أن الكرد غير رافضين له ضمناً، في سياق انتهازية سياسية واللعب على تناقضات المشهد الميداني في سورية مع ضيق مساحة الجغرافيا التي باتت تفصل القوى الموجودة على الأرض السورية، في ظل الانتهاء من الحرب على داعش في سورية، والبدء بالحرب على جبهة النصرة.
إن دفاع الجيش السوري عن وحدة أراضي سورية، وعن أكراد عفرين باعتبارهم مواطنين سوريين، تستوجب موقفاً كرديا واضحاً من أبناء عفرين والقوى السياسية الناشطة فيها، وحتى القوى الميدانية المنضوية تحت لواء «وحدات حماية الشعب» فلا شعباً كردياً في سورية، والقدرة على المناورة اليوم لدى الجيش السوري باتت متاحة والقتال يجب أن يكون جنباً إلى جنب بين السوريين على القوى الأجنبية المحتلة الموجودة على أراضي سورية، سواء تركيا أو الولايات المتّحدة، وهذا يستوجب ويحتّم تغييراً في الموقف السياسي الكردي من القوى داخل عفرين والمتحالفة مع الأميركيين علناً، فالضمانة لا يمكن للأميركي أن يمنحها، ومن يؤيد الصمت الأميركي حول عفرين ويتواطأ معه شريك في أي تطور سلبي يمكن أن يحصل مع سكان عفرين من الأغلبية السورية الكردية.
إن إعادة انتشار الجيش السوري ودخول القوات السورية إلى عفرين، وحده كفيل بوقف أي مغامرة تركية في سورية ومحاولة التمدد تحت ستار الخوف من الأكراد، أو مقايضة العمليات في إدلب تجاه «النصرة»، باحتلال مزيد من الأراضي في عفرين، ولكن هذا يتطلب وقبل كل شيء تمايزاً علنياً ورسمياً في موقف المكونات الكردية في عفرين عن نظيراتها في الحسكة والقامشلي وعين العرب ومناطق الانتشار العسكري للاحتلال الأميركي في سورية، تلك المكوّنات التي تلعب بالنار وهي لا تدرك أن مصيرها لا يمكن أن يكون مع الأميركيين مهما امتدت فترة وجودهم العسكري غير الشرعي في سورية.