الحاضر حَسن
| د. نبيل طعمة
الغد أفضل، يدفعان بنا لبناء التفاؤل الذي يجب أن يتجلى على المجموع الذي يحضره من صناعة التصارح التي غدت من أهم ضرورات حياتنا، المدعوون إليها نحن السوريون، بعد أن فقدنا مقوماتها نتاج ما مررنا به من عذابات وآلام، خوف وقلق وأرق، لم يهرب من أي واحد منا، فالحياة مهمة، والخوف منها يعني الهروب إلى المجهول، أو إلى ثقافة الأفكار الهادمة القائمة بين منظومتي العيش الاستجدائي والتعايش القسري، حيث إرادة الخبث أن نبقى معهما، بدلاً من دعم أفكار التكامل، وصولاً إلى التجانس.
كذلك كم هو جميل وواقعي أن نصل إليها بعيداً من أي زيف أو تزييف أو خداع ونفاق، فالذي يمتلك مقوماتها، يؤمن بإنسانيته، وإنَّ ما يحتاجه لمواكبتها والانخراط في جمالها لا يحتاج إلى الكثير، إنما التناقضات التي أسقطت على مجتمعنا، فاقت استيعابه، وأخذت به إلى حمل همومه وقضاء وقته مختلفاً مع نفسه أولاً، ومع محيطه ثانياً، ما أملأ يومه بالانزعاج والامتعاض والتمرد وضياعه بين الرفض والقبول بما يملي عليه على مضض، وظهر في حالة مركبة، لنجده جمع الحلال والحرام، والكفر والإيمان في آن، وعزَّز ذلك المسؤولون عنه سياسياً واقتصادياً ودينياً، ناهيك عن الفتاوى التي نزلت عليه كالمطر، بغاية جذبه إلى هنا أو إلى هناك، من دون رادع لها أو وازع من ضمير، ما زاد الطين بلةً عليه، فأدخله كل ذلك رحلة التيه في مجمل حياته، وأحارته الأسئلة: هل ينتظر؟ أم يسير إلى الأمام؟ إلى الوراء؟ إلى الإعمار أم إلى الدمار؟ لا حلول وسط، فهذا يأخذ به إلى سيطرة السياسة، وذاك إلى سيطرة الكهنوت وإرادة الجميع إخضاع هذا الشرق وبشكل خاص السوري منه إلى حالة من ضياع وشرذمة مكوناته النوعية الحاملة لوجوده والعمل الكيدي على إبقاء جغرافيته مسارح للموت عبر تقاتل الأبناء وضخ الغرباء والتغذية المستمرة لها، كي يستمر المشهد مؤلماً وبلا حلول.
صناعة التصارح لا تتم إلا من خلال طرح صريح؛ بل غاية في الصراحة مع حضور يكفل بتحقيق الثقة وتوليد التجانس مع أبناء الوطن المؤمنين به، لأن المنطقة برمتها متجهة إلى وضع جغرافي سياسي واجتماعي جديد، ينتج منهجاً إقليمياً مختلفاً عن السائد، كيف بنا نكون فيه إن لم نسارع لتشكيل دعوة لبناء وحدة وطنية قوية، تراعي المصلحة الوطنية العامة، ترسم الكلمة الجامعة، وتدعو الجميع لتحمل المسؤولية، كل من موقعه، ومعها يشعر كل وطني أينما وجد على تراب الوطن بروابطه بها بعيداً عن الشعارات الخادعة، أو أي كلام منمّق؟ وإن بقينا على ما نحن عليه فلا مناص من بقاء الشقاق ونفث البغضاء، وإلقاء التهم، لذلك أجد أنَّ المصارحة تؤدي إلى تعميق الود الذي يحفظ المصالح ورعاية الشؤون الحياتية، وأثق أنَّ كل مواطن لن يتلكأ في حمل رسالة التضحية والاندفاع للإخلاص بوطنية عالية.
كيف بنا نتجه إلى الإمساك بفلسفة الحياة الجميلة القادمة من عمقها المتعلق بالإله الجميل المحب للجمال المنثور على جميع موجوداته، حيث سكنه في جوهرها؟ وإنَّ ما نهدف إليه أن يعود الناس للتحرر مما أسقط عليهم، لأنهم أسمى من مجرد مخلوقات نهمة للطعام والجنس والنوم، وأنَّ التلذُّذ في البناء الأسروي الجيد وإعمار الوطن والاشتغال له هدف رئيس من أهداف وجودنا ضمنه، وتصنيف ما تحدثنا عنه يأتي بعده، ما يدعونا للقول: إنه آن الأوان بعد ما مرَّ بنا من صعاب، وأخذنا الدروس والعبر والمواعظ، أن نظفر بآثار الحكمة وأصيل الفكرة والسير من جديد على سبل الخير والفلاح، وأن نصرَّ على الخلاص، ومن ثمَّ السعي للوصول إلى النجاح، وهذا يتم بتركيزنا على تطوير العلوم الاجتماعية والفنون والآداب، فمعارج السمو والاقتراب من الكمال، تتطلب مجاهدة النفس بحب ومعرفة وعلم، وفعالية الأهواء السالبة تنتهي عند التقدم إلى الأمام وطرح التصارح البنَّاء الذي يعتبر عنصراً رئيساً من عناصر التقدم، وعنواناً نوعياً لمفهوم الحياة الديمقراطية، ويكفل للإنسان حرية الرأي والقول، حيث يظهر الحضور الواقعي لمسار الحياة، وكم يكون جميلاً ونوعياً حينما يصارح المواطنون الوطنيون ساستهم وقادتهم بهدف تطوير مصلحة الوطن في حدود الحجة المقنعة والمنطق السليم والحقائق الدامغة والأرقام الناطقة بالإثبات العلمي، لا شك أننا ذاهبون إلى ربيع غضّ رائع، رونقه الخير الخصيب وعطاء ثراء فريد جديد، لا هدم فيه إلا للتخلف والتبعية والانجرار وراء الفرقة الدينية والاجتماعية التي أخذت بنا للاغتراب السياسي.
لقد أضعنا الكثير من الفرص، وفشلنا في مواضع كثيرة، تخلفنا عن الركب وإرادته أن نتخلف عنه، قبلنا ما نحن عليه، لم نذهب بإرادتنا، بل وقعنا في أشراكه، ما أدخلنا في دائرة الصراع على الوجود وموجوداته، ولو أننا تصارحنا لما وصلنا للذي ظهرنا به، ولكنا اختزلنا من الزمن الكثير، ولكان الركب أخذ بيدنا على الأقل، وكنا بقينا قريبين منه، فما الذي حصل؟ في اعتقادي أننا تآمرنا على وجودنا، قبل أن تتكالب علينا الأمم، ورضينا تآمراتها علينا، لذلك أصرّ على بناء الوحدة الوطنية، التي يسعى أعداؤنا لفرط عقدها بشكل دائم، ويحزّ على أعدائنا أن يروا انتصارات وطننا، وعودتنا إلى بعضنا تعني عودة سورية العروبة والعرب لاستعادة مركزها العربي والدولي، فأعداؤنا لم يبخلوا عن بذل المال والسلاح لبذر بذور الفتن، واستعانوا بأبواق وإعلام ملؤها الأكاذيب، أعداءٌ عرفنا مكرهم، ورأينا مؤامراتهم، لذلك أناشد من أجل وحدة الصف، وأن يكون جميعنا جنوداً أمناء في وطننا إلى جانب جيشنا العربي السوري وقائد هذا الوطن، نعمل على حمايته ورعايته، ولنذهب تحت مظلته للبناء والإعمار وإصلاح ذات البين.
المهم الآن هل عرفنا أين نحن؟ لذلك أجدني أدعو إلى صناعة التصارح الذي يؤدي إلى تطوير المجتمع ورفع مستوى أبنائه فكراً وعملاً ومعيشةً، ويدعم الاقتصاد الوطني الذي لا ينعكس فقط على شعبنا العربي السوري؛ بل على الأمة العربية بأسرها قومياً، لكونها تؤسس فيه الأسس السليمة، كما أنها تدفع بعجلة الإنتاج، وتعبئ الطاقات الوطنية، وتعيد للمعطل منها فاعليتها وحضورها، لذلك صيانة سورية وحماية ثوابتها وشعاراتها الوطنية والقومية تشكل أهم أولويات الهموم للشعب والجيش والقائد، وبما أنَّ هذه المشاعر تسود فكر جميع الوطنيين الذين تتجلى عليهم روح الوطنية الشامخة والقومية السامية والفهم العميق لما مرَّ بنا، ما يؤهلنا لأن نخرج من أزماتنا أكثر تضامناً وأشد تآزراً وأمضى عزيمةً.
هل تؤمنون معي بأنَّ الحياة المعيشة سواء أكانت مأساة أم ملهاة، غنية أو فقيرة، أو بينهما، متفائلة أو محبطة، تمثل سلّماً للجميع؟ الكلُّ فيها مسموح له أن يصل إلى ما يريد، شرط توافر الاقتناع بما يصل إليه، رغم كثافة الأحلام، وإلا لكان الجميع في الأعلى، أو سقطوا إلى الأدنى، لذلك يجب أن نتصارح مادامت هناك إيجابيات بنّاءة بدأت تطفو على سطح وجودنا، والضرورة تدعونا لالتقاطها، والعمل منها وعليها بالسرعة المفيدة لنا ولوطننا الذي ننتظر معه، ونترقّب انجلاء ما حل بنا وبه، والشعب بمجموعه يؤيد بقوة نهج دحر الإرهاب، ويشدُّ من عزيمة أبطال جيشه الباسل العاملين أبداً على الانتصار لحرية الوطن وحريتهم وحقهم في الحياة.