مثلث أستانا أمام لحظة حقيقة
| أنس وهيب الكردي
اعتكفت أنقرة في الفترة الأخيرة عن المساهمة في التحضيرات القائمة لمؤتمر الحوار السوري السوري في منتجع سوتشي الروسي معلقةً عودتها على توقف عملية الجيش السوري وحلفائه في إدلب، وموافقة روسيا على إطلاق عملية عفرين، التي يبدو أن الأتراك عازمون على إطلاقها.
ووقّت الجيش السوري وحلفاؤه عملية إدلب مع انطلاقة العام الجديد، وتمكنوا من التقدم في ريف حماة الشمالي وحلب الجنوبي الغربي في هجوم من محورين يستهدف الوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري الذي سيمكن الجيش من تحقيق السيطرة الجوية الشاملة في كامل مسرح العمليات الشمالي الغربي.
لم ينثن الروس أو الإيرانيون أمام الاحتجاجات التركية الغاضبة حيال تقدم الجيش السوري في إدلب، وبينما تتواصل العملية هناك، ارتفع مستوى التنسيق السياسي بين طهران وموسكو تحضيراً لعقد مؤتمر سوتشي، الذي لم يحسم الأتراك موقفهم منه بعد، وإن أعلنت جماعات مسلحة وسياسية مقربة منهم مقاطعتهم له.
هكذا، تبدو أنقرة، وكأنها بصدد مراجعة دورها في العملية التي جمعتها مع روسيا وإيران ضمن «مسار أستانا»، لكنها تواجه لحظة حقيقة مرة؛ فالولايات المتحدة الطرف الدولي الآخر المعني بالأزمة السورية، أعلنت أنها بصدد تشكيل قوة أمنية من «قسد» تستهدف تأمين الحدود السورية التركية في شرقي البلاد.
أغضبت هذه الخطوة أيضاً بشدة تركيا، وخصوصاً أن من شأنها التأثير في وحدة الأراضي السورية، والإخلال باتفاق أضنة الأمني الذي وقعته سورية وتركيا عام 1998، والأهم، زيادة أمد الالتزام الأميركي بدعم «قسد» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، وتعترض أنقرة بشدة على استمرار التنسيق العسكري بين الولايات المتحدة و«وحدات الحماية» بعد القضاء على تنظيم داعش، وهي تصر على ضرورة إبعاد مقاتلي «وحدات الحماية» عن الحدود للمسافة ذاتها التي نص عليها اتفاق أضنة.
دفع الغضب التركي، أنقرة إلى التخلف عن حضور اجتماع الدول الخمس الداعمة للمعارضة، الذي اتفق فيه كبار الخبراء من الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، السعودية والأردن، على مقترحات بخصوص العملية السياسية والدستورية بغرض تقديمها إلى موسكو.
زاوجت الولايات المتحدة بين الإعلان عن خطوة تشكيل القوة الأمنية في شمالي شرقي سورية، والتنصل من «وحدات الحماية» في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، ربما في مسعى منها لدق إسفين بين أنقرة وموسكو، ولطالما أصرت الولايات المتحدة على وصف عفرين بأنها منطقة نفوذ روسية، وهي تعتبر أن نجاح أنقرة في انتزاع موافقة روسيا على ترك عفرين لتواجه مصيرها أمام الجيش التركي وحلفائه في ميليشيات «الجيش الحر» و«درع الفرات»، سيؤدي إلى تراجع الدور الروسي في شمالي غربي سورية لمصلحة تركيا، ويؤثر في سمعة روسيا بين أكراد سورية ويحد من قدرتها على استخدام الورقة الكردية على مستوى المنطقة، وقد يضعف من علاقة الصداقة التاريخية بين موسكو وحزب العمال الكردستاني.
باختصار سيزيد ارتماء «وحدات الحماية» في أحضان واشنطن بعد فقدانهم الأمل بالعون الروسي، وستتبوأ الولايات المتحدة الدور الأول في القضايا المتعلقة بأكراد المنطقة، ومن بينهم بطبيعة الحال «حزب العمال الكردستاني».
هذان الإعلانان الأميركيان، وانتهاء البيت الأبيض من رسم إستراتيجيته العالمية والشرق الأوسطية وتحديد محاور سياستها تجاه سورية، أظهر في المقابل، للإيرانيين والروس أن واشنطن قررت المواجهة والتلاعب بالعلاقات القائمة بين دول عملية أستانا بلا هوادة، وهكذا، وجدت تلك الدول نفسها مجتمعة أمام لحظة حقيقة مرة، وربما كانت روسيا أكثرها وعياً ورغبة في إعادة اللحمة للمثلث الراعي لعملية أستانا المترنحة، وانعقاد مؤتمر سوتشي على طريق حل الأزمة السورية، من هنا كان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف يجري مشاورات ثنائية منفصلة مع نظيريه الإيراني والتركي حتى تمكن أخيراً من نيل موافقتهما على انعقاد لقاء ثلاثي يخرج بختامه دخان أبيض لمؤتمر سوتشي.