الأولى

الأعمال بالمفردات

بنت الأرض : 

في حمأة الجرائم الإرهابية التي يرتكبها الإرهابيون التكفيريون في سورية والعراق وتونس ومصر وليبيا، تأتي جريمة إحراق بيت الدوابشة واستشهاد الرضيع الفلسطيني علي الدوابشة في دوما في فلسطين المحتلة، والذي ما زال والداه في حالة خطرة جداً في المشفى. وفجأة تتغير المفردات على الشاشات العالمية وحتى العربية الماسكة بناصية قضية العرب لتصبح: جريمة يرتكبها المستوطنون بحقّ الرضيع الدوابشة. وتختفي صفة «الإرهاب» عن جريمة تمثّل أخطر أنواع الإرهاب، وعلى مدى عقود. وتختفي تسمية «الإرهابيين» لتحلّ محلّها صفة «المستوطنين» والتي استخدمت لتبرير أعمال إرهابية شنيعة ما زالت ترتكب بحقّ الشعب الفلسطيني منذ عقود. فمن هؤلاء المستوطنون، وما علاقتهم بالإرهابيين الذين يضربون اليوم في أرجاء بلداننا الآمنة، يهدّمون تاريخنا، ويدنّسون مقدّساتنا، ويذبّحون أبناءنا، ويحرقون محاصيلنا، ويقتلعون أشجارنا؟ إذا ما تحررنا، أعزّائي القرّاء، للحظة واحدة من سطوة الإعلام الغربي وتوابعه من الإعلام العربي، وحاولنا أن نفكّر بشكل حرّ ونستذكر كلّ ما تعرّض له الشعب الفلسطيني على يد قطعان المستوطنين، نكتشف أوجه الشبه الحقيقية والعميقة بين قطعان المستوطنين وقطعان الإرهابيين الذين عاثوا في الأرض فساداً في بلداننا.
فماذا كان سلوك «المستوطنين» مع الفلسطينيين في مختلف قراهم ومدنهم، وما الجرائم الإرهابية التي ارتكبوها بحقّ شعب أصليّ عاش وأجداده على هذه الأرض إلى أن وفدت عليه أنواع مرتزقة مجرمة حاقدة على البشر والحجر. لقد كان المستوطنون هم الذين بدؤوا ثقافة اقتلاع أشجار الزيتون وإحراق المحاصيل للشعب الفلسطيني الآمن وتدمير منتجاته من الخضار والفواكه، وحتى الأزهار. كما كان المستوطنون هم أول من صعق منطقتنا بهدم بيوت الفلسطينيين، لا بل وإجبارهم على هدم بيوتهم بأيديهم، أو دفع مقابل للمستوطنين الذين يهدمون هذه البيوت. لقد كان المستوطنون هم الذين بدؤوا جرائم الاعتداء على المصلّين في الجوامع، وقتل الراكعين السُّجّد في المحراب، وجريمة روبنشتاين في الحرم الإبراهيمي الشريف إحدى شواهد هذا النوع من الإجرام. كما كان المستوطنون هم من أدخل إلى منطقتنا الثقافة البائسة بقتل الأطفال الأبرياء، والتي لم تشهدها منطقتنا في تاريخها. وكان المستوطنون هم الذين بدؤوا ثقافة تجريف الطرقات بين شرايين القرى والمدن الفلسطينية وقطع أوصالها وحرمان الأهل والأقارب من التواصل العائلي، والذي يشكّل بالنسبة للعرب جوهر الحياة الإنسانية على مدى قرون.
والمستغرب في الأمر هنا أن هؤلاء الذين أسموا أنفسهم «مستوطنين» ليخلقوا الانطباع أن هدفهم أن يستوطنوا أو يستقرّوا في حين أعمالهم تؤكّد أنهم أدوات تدمير لكلّ ثقافة استقرار وأسلوب حياة آمنة شهدته المنطقة، الغريب في الأمر أن أحداً لا يسميهم بأسمائهم الحقيقية، وهي أنهم «إرهابيون»، وأصل الإرهاب الذي تمارسه داعش والنصرة والقاعدة وكلّ متفرعاتهم في شرق المنطقة وغربها. الغريب في الأمر أن العالم، وبعد أن عَلِمَ عِلْمَ اليقين أن هؤلاء الإرهابيين لا علاقة لهم بالدين الإسلامي السَّمِح، مازال ينسبهم للإسلام والمسلمين بجهودٍ تهدف إلى تشويه صورة الإسلام السّمح والمسلمين الحقيقيين. حقيقة «الربيع العربي» التي انكشفت اليوم للقاصي والداني، هي أن الجرائم المرتكبة تحت هذا الغطاء هي ذاتها التي ارتكبها المستوطنون الإرهابيون بحقّ الشعب الفلسطيني الصّامد على مدى ستة عقود، وحقيقة الأمر هي أن هدف هذا الإرهاب الذي يضرب مشرق العالم العربي ومغربه هو تحويل العرب إلى لاجئين ونازحين تماماً كما فعل «المستوطنون الإرهابيون» في فلسطين، وأنّ الهدف النهائي هو إزاحة الشعب العربي الأصليّ من هذه البلدان، وتدمير تاريخه وحضارته، وتحويلها إلى مستعمرات للصهاينة وأعوانهم. ومع ذلك لا يدرك معظم إعلامنا العربي أهمية ودقّة تعريف هؤلاء المستوطنين بأنهم «إرهابيون» وتصنيف جرائمهم على أنها جرائم إرهابية، ولا يدرك المجتمع الدولي أهمية الوقوف في وجه الإرهاب في فلسطين أولاً باعتباره النموذج والأصل لكلّ الإرهاب الذي يضرب منطقتنا وبلداننا. أما حان الوقت كي نستخدم مفرداتنا لتصنيف أعمالهم، أم نبقى أسرى لغتهم ومفاهيمهم كما تبقى بلداننا أسرى إرهابهم؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن