من دفتر الوطن

أحلام وكوابيس!

| عصام داري 

يحلو التأمل في ليالي الشتاء الطويلة، فهي المختبر الذي ينتج حكايات وأفكاراً جميلة جديرة بالتصدير إلى الناس وعقولهم وقلوبهم المفعمة بالحب والتوق إلى رسائل قصيرة لكنها كبيرة في معانيها.
لكن البوح يأتي في الصباحات الضبابية التي تشبه لوحات يطغى عليها اللون الرمادي، وألوان أواخر الخريف وأوائل الشتاء، ونحن بانتظار المطر فربما يكون حضوره فرصة لنقاء القلوب وصفاء السريرة بعد أن لوثت الأزمة الطاحنة التي أصابت السوريين أغلب الضمائر فأصبحت ضمائر غائبة وميتة.
نحتاج إلى كلمات بسيطة وشاعرية تهدئ النفوس وتبث موجات عالية من الفرح والأمل والحب النقي وتعطي دفعة جديدة للمتفائلين بالحياة ولحظة للتفكير والتأمل لكل المتشائمين والسوداويين لتغيير الموجة والسمت والاتجاه، والعودة لجادة الفرح ودروب الحب.
نبحث عن فرح عابر في زمن الموت المقيم، لو فكر هذا العالم المجنون لحظة واحدة باتساع الكون وعظمته، وأن كرتنا الأرضية ليست سوى كوكب صغير جداً في هذا الكون الفسيح، وأننا أصغر من الفيروسات بالنسبة إليه، لما تكبر الإنسان وتجبر وفجر الحروب وامتهن القتل والدمار، قليلاً من التواضع أيها البشر، قبل أن نحول لون كوكبنا من الأزرق إلى الأحمر!
نشعر بأننا محاصرون، بل الأكيد أننا كذلك، تحيط بنا الهموم والمشاكل والأحزان من كل جانب، لكننا قادرون على إيجاد ثغرات في هذا الجدار الصلب كي ننفذ نحو فرح نحتاجه واستراحة نستحقها، وفسحة سماوية تنتظرنا.
مهما داسوا بأقدامهم القذرة على الورود والأزاهير وسحقوها، فسنواصل زراعة الورد على مساحة الوطن لتزهر خيراً وعطاء، وتعطي شلالات عطور.
إرادة الحياة والتحدي هي التي نمتلكها وهي التي ترسم شخصيتنا، ورغبتنا في السير على دروب الحب هي التي توصلنا إلى المستقبل الذي نبتغيه، ولن يكسر أحد إرادتنا ورغبتنا في الحياة والحب والنشاط والبناء.
نعيش لحظات بعيداً عن ذلك الكابوس، نشعر براحة مؤقتة، لكنها بطبيعة الحال راحة من نوع خاص، هي من صنعنا نحن، ونحن وحدنا من يعيش تفصيلاتها الجميلة الرقيقة لأنها تشبهنا ولا تشبه عالماً فرض علينا بكل سوءاته وعيوبه وقسوته وتوحشه.
في هذا العالم القاسي والظالم والفوضوي نحتاج إلى زراعة وردة أمل صباح كل يوم في بستان الأشواك وندرك أن ذلك ليس عملية سهلة، فمع كل وردة تلدغك شوكة كعقرب تذكرك بأنك في الزمان الغلط المشحون بأشباح وغيلان تحتل مساحات كانت لإنسان طبيعي يعشق نسائم الصباح وسهرات الزجل والغزل على ضوء القمر.
أعرف أننا نسبح في تيار جارف يحاول جرجرتنا نحو أعماق الجهل والتخلف والتوحش اللامحدود، لكنني أحب الورود وسأظل أزرعها في كل شبر من عالمي الافتراضي أو الطبيعي ولو تعرضت لملايين لدغات الأشواك والعقارب، فأنا أعشق الحرية والانطلاق وتحطيم القيود.
في خضم هذا البحر المتلاطم الأمواج يضربني سؤال بقوة: هل يأتي اليوم الذي أفسخ فيه العقد الموقع بيني وبين التفاؤل أم إن اليأس يدب في نفسي المتعبة وروحي الكليلة فأرفع الراية البيضاء وأتخلى عن معاركي من أجل الخير والعدالة والحب؟ هل أتخلى عن حلم عمري وأستسلم لكابوس لاحقني طوال حياتي؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن