لم أتخذ الفن حرفة ولا وظيفة إنما هو بمنزلة الفسحة … مخلص الورار: الفن هو حالة من حالات عطائي وإشراقاتي النفسية وهو عمل ضاغط
| سارة سلامة
كثيراً ما كان يدفعه قلمه الرصاص للرسم على ورقة كل ما يراه أمامه وحتى رسم رفاقه الذين يبهرون دائماً بقدراته الكبيرة، فالإعلامي مخلص الورار يعود مجدداً إلى الوسط التشكيلي ويحنّ إلى اختصاصه الأكاديمي الذي درسه في كلية الفنون الجميلة، لأن هذا الفن يشكل له حالة عشق وفسحة تسرقه من عالمه وانشغالاته الإعلامية، لتكون المتنفس الذي يعبر به عن ذاته ويرسم العالم كما يراه وكما يتمنى أن يكون، حيث أقام برعاية وزير الإعلام معرضاً في ثقافي أبو رمانة بعنوان «جدلية الشكل واللون»، ويضم 88 لوحة متنوعة المواضيع والأساليب ما بين الواقعي والواقعي التعبيري والانطباعي ومنها التجريدية البعيدة عن الواقع، وهي تأليفات تشبه التأليفات الموسيقية، ليخرج عن صمته في الأبيض والأسود ويجنح إلى توظيف اللون بطريقة جميلة وغير مبالغ فيها متناولاً الموضوعات ما بين الإكرليك والألوان المائية مع الأحبار الملونة والأسود والأبيض، إضافة إلى خطوط التحبير معتمداً على الألوان الغامقة لما لها دور في تماسك اللوحة وشد أواصرها وجعلها أكثر متانة.
دقة الحفار وانطلاقة المصور
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد الفنان التشكيلي مخلص الورار: «أن اختياري للعنوان ألا وهو «جدلية الشكل واللون» رغبة مني في توجيه رسالة للمتلقي مفادها أن الفن ليس عملاً عادياً أو أتوماتيكياً، بل هو عمل خلّاق وإبداعي يعتمد على استقراء الواقع وإعادة تأليفه بعنصرين أساسيين هما الشكل واللون، وما أقصده بالشكل هنا الخط الذي يستطيع بناء اللوحة بالشكل المتوازن والمقنع، أما اللون فهو الذي يغلف اللوحة بألوان الحياة، وعندما طرحت هذه الجدلية، تعاملت معها كفنان من الناحية النظرية والتأملية، لأن الفنان دائماً ما يعتريه شعور بداخله ولا يستطيع ترجمته إلا من خلال اللوحة أو من خلال العمل التشكيلي بالعموم».
وأضاف الورار: «إن الفنان دائم الحوار مع العمل في طور الإنجاز وعندما يضع اللمسات على سطح اللوحة أو الخطوط يمنح نفسه فرصة التأمل والغور داخل أعماق الموضوع والشكل، ومن ثم يحدث الحوار البناء القائم على بناء اللوحة بالشكل المطلوب فالموضوع كبير جداً وهو بحاجة إلى حوار وبحث وتجربة وهذا المعرض هو عبارة عن تجربة من تجاربي التي خضتها عبر سنوات عديدة».
وبين الورار: «إن الأعمال المعروضة هي نتاج لعام واحد وهو 2017 ويضم عدداً كبيراً من اللوحات التي تجاوزت 88 لوحة، بأحجام تراوحت بين الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، وكنت قد دخلت حالة الإنتاج الفني بنهم وشوق بعد انقطاع دام نحو 3 سنوات بسبب الظروف الحالية وانشغالي في العمل الوظيفي الإعلامي، وكما هو معروف عن العمل الإعلامي أنه يستهلك الإنسان بوقته وفكره وجهده».
وأفاد الورار: «أن الأعمال المعروضة متنوعة المواضيع والأساليب أي تنوع المضمون ما بين الواقعي والواقعي التعبيري والواقعي الانطباعي وهناك بعض الأعمال التجريدية البعيدة عن الواقع وهي عبارة عن تأليفات تشبه التأليفات الموسيقية، كما أن هناك أعمالاً غرافيكية قائمة على الخط أو على الخط الزخرفي وعلى تضاد اللونين الأسود والأبيض، وكذلك على القيم اللونية بين الأبيض والأسود وهي أعمال تنحو منحى الغرافيك أكثر، وربما لأن اختصاصي الأكاديمي هو الحفر والطباعة كما هو واضح في خطوطي وفي طريقة تناولي للموضوع والموضوعات التصويرية التي تصنف على أنها تصوير ورسم أيضاً فيها القليل من الانفلات من القواعد الكلاسيكية إلى الجو التعبيري والتجريدي، ونرى كذلك في الأعمال دقة الحفار وانطلاقة المصور لأنني أحببت أن أعبر عن ذاتي بطرق مختلفة، ولم أرغب في حصر نفسي وتنميقها في إطار محدد لأنه لا بد للفنان من إتاحة فسحة لذاته أكبر من أساليب التعبير، وحقيقةً استطعت أن أحقق شيئاً من هذا القبيل في معرضي هذا».
أما بالنسبة للمواد المستخدمة فقال الورار: «إن تناولي للموضوعات كان ما بين الإكرليك الذي يشبه في بعض حالاته اللون الزيتي والألوان المائية مع الأحبار الملونة والأسود والأبيض، إضافة إلى خطوط التحبير وهناك مجموعة مواد مختلفة استخدمتها وألّفت منها توليفة من الألوان والأشكال التي تناسب الموضوع ولم أتقيد بخامة واحدة أو بنوع من الألوان وإنما أفسحت المجال لنفسي أن استخدم ما أتيح لي». مضيفاً: «إن الأعمال الصغيرة في المعرض أكثر غنى لأنها تحتوي على مأساة مختلفة وفيها أجواء تعبيرية متعددة، وكل أعمالي منبعها من الواقع ولكن الواقع كما أراه وكما أتمنى أن يكون، وكان اعتمادي على الألوان الغامقة واستخدامها كان مدروساً لأنها تؤدي إلى تماسك اللوحة وشد أواصرها وجعلها أكثر متانة وتمكيناً وبرأيي إن اللون الغامق أو القاتم يجعل أداتي التعبيرية أكثر وضوحاً»
وأوضح الورار: «أن الفن عندي هو حالة من حالات عطائي واشراقاتي النفسية وهو عمل ضاغط، وكأن شيئاً ضاغطاً يضغط عليّ لأرسم وينتابني شوق ورغبة جامحة للرسم، لذلك فإن الفن لم أتخذه حرفة ولا وظيفة وإنما هو بمنزلة الفسحة التي تمنحني السعادة والراحة والمتعة».
وأشار الورار: «أنه وبما أنني أعمل في مؤسسة إعلامية وأنتمي إلى الأسرة الإعلامية الوطنية فكانت هناك رغبة مشتركة ما بيني وبين وزير الإعلام عماد سارة في أن يكون المعرض برعايته ودعمه وتشجيعه لأننا كإعلاميين تطغى علينا الصفة الإعلامية، وأردت الجمع بين العمل الإعلامي والتشكيل وكان وزير الإعلام مشاركاً بنجاح المعرض بشكل أو بآخر لأن الدعم المعنوي له تأثير كبير في نفسية الفنان، وكذلك لا أغفل دور وزارة الثقافة المعنية الأساسية بالنشاط الفني الثقافي، التي قدمت كل التسهيلات لإنجاح المعرض وتوجت ذلك بوجود معاون وزير الثقافة علي المبيض في افتتاح المعرض، الذي كان له الأثر الأكبر في متابعة مسيرة العمل الفني وكان إنساناً متفهماً جداً وقارئاً جيداً لأعمالي».
حالة تمتلك أدواتها
ومن جهته عبر جمال الجيش عن رأيه في المعرض قائلاً: «إن الحركة الثقافية بدأت تستعيد قيمتها بعد فترة ما من الزمن، سُرقنا أو أُخذنا استهلاكياً باتجاه الاستهلاكات الرخيصة، وهو ما أبعدنا عن عمقنا الثقافي والحضاري والإنساني والأخلاقي، وعن عمقنا الفني والجمالي، ومن ثم عن إحساسنا بالخير لأن كل هذه القيم مترابطة، وألحظ الآن عودة ثقافية في عدة مجالات ولا شك أن الفن التشكيلي واحد من المظاهر الأكثر قدرة على التجاوب دائماً مع أي متغير اجتماعي أو حضاري أو إنساني في تاريخ الشعوب، ولذلك كان التشكيل في حياتنا السورية الأكثر قدرة على تلمس الحالة والتقاطها ومعالجتها وعلى عملية التعاطي معها بطريقة فنية جمالية مسؤولة وواعية».
وأضاف الجيش: «إن هذا المعرض يشكل نقلة جديدة لأن مخلص هو فنان حقيقي اختزن على مدى سنوات طويلة من الزمن حسه الجمالي والفني وتوقه للحياة الجميلة والعادلة والنبيلة لأنه كان يدرك أن الفترة كانت فترة الاستهلاكات الرخيصة نتيجة التحولات الاجتماعية التي طرأت على مجتمعاتنا، أما الآن فكل من يتعاطى الفن والثقافة يشعر بأنه آن وقت الموقف ووقت التعبير والمكاشفة وآن الوقت لكي نقول ما لدينا، وأناشد الشاعر أن يقول والرسام بالرسم والموسيقي أن يعزف والمغني أن يغني كل ذلك يجب أن يكون مشروعاً بالصدق».
عشقه للإعلام وميوله للتشكيل
ومن جانبه قال الدكتور محمد وهبة: «إن مخلص استطاع انضاج تجربته الطويلة بعد تراكمات ثقافية عديدة ويخرج بهذا المعرض ليبعث برسالة عن جدلية اللون لأننا ألوان وأشكال متعددة ويمكن لهذه الألوان والأشكال أن تشكل لوحة واحدة فسيفسائية كما هو الحال في سورية واختلاف الألوان آية من آيات اللـه (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم)، ولولا أنها آية لما كانت جمالاً، واستطاع أن يظهر لنا هذه الآيات بالجمال الذي أراد اللـه لنا أن نتمتع به».
وقال صديق الفنان الاستاذ عمر عيبور: «إن مخلص يحاول أن يوازن بين عشقه الإعلامي وبين ميوله الفنية كفنان تشكيلي وكان دائماً ما يرسمنا بقلم الرصاص وهو إنسان موهوب يرسم بالأبيض الأسود والتظليل والحفر ونحن نحثه دائماً على إقامة المعارض».