ترامب بعد كتاب «نار وغضب».. هـــل يـكمـل ولايـته؟
| حسين عطوي
سريعا عمدت المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة إلى الاستفادة من الاعترافات التي أدلى بها ستيف بانون المخطط الإستراتيجي السابق في فريق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤول حملته الانتخابية، فتم استدعاء بانون ليمثل أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب للإدلاء بشهادته في جلسة مغلقة كجزء من التحقيق في العلاقة بين فريق حملة ترامب الانتخابية وروسيا وخصوصاً أن مؤلف كتاب «نار وغضب» مايكل وولف نقل عن بانون قوله: إن ترامب الابن ارتكب خيانة عندما التقى محامية روسية أثناء الحملة الانتخابية.
كما يتطرق الكتاب إلى العلاقة المثيرة للجدل بين الرئيس ترامب وطاقمه والطرف الروسي، ويروي وولف أن لقاء تم بين ابن الرئيس الأميركي دونالد ترامب جونيور وصهره جاريد كوشنر من جهة؛ ووفد روسي من جهة أخرى، عرض على حملة ترامب معلومات تسيء لسمعة منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون خلال الحملة الانتخابية الرئاسية 2016، ويضيف إن ترامب كان على علم باللقاء، وهو ما ينفيه الرئيس الأميركي.
وسمح بانون لوولف الذي صور ترامب أنه رئيس مضطرب وقليل المعرفة، بالوصول إلى البيت الأبيض خلال العام الأول للرئيس الأميركي في منصبه.
هذا التوصيف والتشخيص لشخصية ترامب من مستشاره للأمن القومي وقائد حملته الانتخابية، تلاقى مع ما كشفته صحيفة «الغادريان» البريطانية عن مخاوف مجموعة من الأطباء النفسيين والخبراء في مجال الصحة النفسية إزاء «الحالة الخطيرة للرئيس ترامب» وقالت: إن «مسألة وجود ترامب في الرئاسة هي التي تشكل خطرا، وهو قد أظهر عدوانية لفظية وتفاخراً بالاعتداءات الجنسية، وتحريضاً على العنف في بلدان أخرى، وانجذاباً للعنف، واستخدام الأسلحة القوية، فضلاً عن التهديد المستمر لبلد معاد يمتلك قوة نووية»، وعزز من هذا التشخيص أيضاً وصف ترامب دولا أفريقية ولاتينية بـ«الحثالة».
هذا التطور يؤشر إلى أن الرئيس ترامب أصبح في وضع لا يحسد عليه، فالمعلومات التي أدلى بها بانون في الكتاب والتي تشكل أدلة تدين الرئيس الأميركي وجاءت لتؤكد ما قيل عن اهتزاز واضطراب في شخصيته، كان من الطبيعي أن يتلقفها خصوم ترامب من الديمقراطيين والجمهوريين، غير الموافقين على توجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويسارعون إلى تحريك القضاء ولجنة التحقيق للبدء في مرحلة جديدة من حملتهم للنيل من ترامب، ذلك أن بانون ليس شخصاً عاديا أو هامشيا في فريق ترامب وإنما هو من أهم الأشخاص الذين كان يعتمد عليهم، ولهذا فإن شهادته سيكون لها أثرها الكبير في موقف ترامب حيث سوف تدفع الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب إلى التحرك باتجاه تنفيذ سيناريو من اثنين:
الأول: استغلال الأدلة الموثقة ضد ترامب والعمل على احتوائه وتحويله إلى مجرد واجهة ينفذ سياسات الحزب الجمهوري من دون اعتراض، وبالتالي يكمل ولايته كرئيس ضعيف لا حول ولا قوة له.
الثاني: أن يعمد الحزب الجمهوري إلى استخدام اعترافات بانون للدفع باتجاه مقاضاة ترامب وصولا إلى إدانته وإصدار حكم يقضي بإقالته ومن ثم تكليف نائبه مايك بنس مهمة إكمال الولاية الرئاسية، كما ينص الدستور الأميركي، إلى حين موعد الانتخابات المقبلة وانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة.
السيناريو الأول يُمكّن الحزب الجمهوري من السيطرة على سياسات الرئيس ترامب وجعله يلتزم بتنفيذ توجهات الحزب كشرط لتركه يكمل ولايته الرئاسية، لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر أن يؤدي استمرار ترامب في البيت الأبيض كرئيس ضعيف إلى خسارة الحزب الجمهوري الانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ واستطرادا الوصول إلى الانتخابات الرئاسية والحزب الجمهوري في وضع سيئ بالنسبة لأي مرشح جمهوري، ما يُمكّن المرشح الديمقراطي من الاستفادة من ذلك وكسب الانتخابات الرئاسية.
لهذا من المحتمل أن يتجه الحزب الجمهوري إلى خيار تقصير ولاية الرئيس ترامب وجعل نائبه مايك بنس يكمل ولايته، لأن هذا السيناريو يمكن الجمهوريين من احتواء التداعيات السلبية لمدة وجود ترامب في البيت الأبيض وعدم تحمل المسؤولية عنها في انتخابات الكونغرس أو الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي يسجل له أنه سارع إلى محاسبة ومقاضاة الرئيس ترامب عندما تبين له أنه فاقد لأهلية الاستمرار في قيادة الولايات المتحدة، وأن الحزب الجمهوري لم يتهاون في ذلك.
لكن إلى أن تتضح نتائج التحقيق ومعرفة السيناريو المرجح، تستمر جهود الحزب الجمهوري لمحاصرة وتقويض قدرة ترامب على ممارسة الحكم من خلال دفع فريق إدارته إلى تقديم استقالاتهم، وهو ما أكدته شبكة «سي إن إن» الأميركية بالقول: «إن موظفي البيت الأبيض أبلغوا بأن عليهم أن يقرروا قبل نهاية هذا الشهر ما إذا كانوا ينوون مغادرة الإدارة الحالية أم إنهم سيبقون حتى الانتخابات النصفية في تشرين الثاني المقبل. ونقلت عن مسؤول أميركي أن الهدف من تحديد مهلة زمنية تنظيم رحيل جماعي متوقع.
وقالت «سي إن إن» نقلاً عن أشخاص مقربين من الجناح الغربي إن الرئيس الأميركي يواجه صعوبة في ملء الشواغر في إدارته على أعتاب بدء العام الثاني من ولايته، حيث أعلن مستشارون كبار في السياسة الخارجية والداخلية ترك مناصبهم في الأشهر الأخيرة بينما يتوقع خروج المزيد من الموظفين في الأسابيع المقبلة.
لكن كل ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة الأميركية سوف تتجاوز أزمتها التي يشكل انتخاب ترامب تعبيراً عنها، ذلك أنه بغض النظر عما يتصف به ترامب من فظاظة وجرأة في الإعلان عن حقيقة السياسة الأميركية الاستعمارية والنزعة العنصرية والفوقية والتعالي والعجرفة في التعامل مع الدول والشعوب، فإن أميركا دخلت مرحلة مواجهة الحقيقة، حقيقة أنه لم يعد بإمكانها حكم العالم وفرض هيمنتها عليه اقتصادياً ولا عسكريا ولا سياسيا، وبالتالي عليها أن تسلم بأن العالم أصبح متعدد الأقطاب وأن زمن احتكار الغرب للأسواق العالمية قد ولى إلى غير رجعة، وأنه بات على أميركا والدول الغربية الرأسمالية أن تتعود العيش على أساس قدراتها الاقتصادية الفعلية، وليس كما كانت عليه في ظل هيمنتها على الأسواق العالمية وتحكمها بالاقتصاد العالمي والتي كانت تحقق لها معدلات نمو مرتفعة وأرباحاً خيالية مكنتها من توفير الامتيازات للطبقة العاملة في بلدانها وتحقيق الازدهار وحياة البحبوحة.