واشنطن تكشف عن نسخة جديدة في مخططها
| تحسين الحلبي
في 17 كانون الثاني الجاري استضاف «معهد هوفر للأبحاث» التابع لجامعة ستانفورد الشهيرة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة في عام 2006 كوندوليزا رايس صاحبة إعلان «الشرق الأوسط الكبير الجديد» أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان والمقاومة، وأمام حشد من رجال الأبحاث الأميركيين وأساتذة الجامعات قال تيلرسون: «نريد المحافظة على الوجود العسكري الأميركي في سورية إلى أن نستكمل تنفيذ هزيمة داعش»، وتجنب أي إشارة إلى زمن تقريبي لهذا الوجود العسكري، في إشارة إلى أن واشنطن وحدها هي التي تحدد الزمن الذي تتم فيه هزيمة داعش لسحب وحداتها العسكرية.
لا أحد يشك أن تصريح تيلرسون يحمل أبعاداً واسعة ويستدعي خططاً مضادة من سورية وحلفائها لأنه قال أيضا: «وإن استمرار الوجود العسكري الأميركي يهدف إلى تمهيد الطريق لتشكيل سلطات محلية مدنية سورية تتحمل مسؤولية الحكم في المناطق المحررة»، أي التي تستولي عليها المجموعات المسلحة التي تدعمها واشنطن، وهذا يتطابق مع ما أعلنه قبل أيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين قال: إن استيلاءه على عفرين يعني أنه سيضع فيها حكاماً يديرونها من المجموعات المسلحة التي يوظفها ضد سورية.
ويؤكد الناطق باسم قوات التحالف الأميركي العقيد رايان ديلون في مقره من بغداد أن «الوجود العسكري الأميركي سيبقى في سورية إلى أن تكسب العملية السياسية للحل جذباً»، وهذا يتطابق مع ما أعلنه وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس حين قال: إنه لا وجود لخطط أميركية لسحب الوحدات العسكرية الأميركية إلا بعد مباركة الأمم المتحدة لعملية السلام في سورية.
ما سبق يعني ضمناً أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان نفسه سيعمل هو الآخر على اتباع الأسلوب نفسه بخلق مناطق يقدم الحماية فيها للمجموعات المسلحة بانتظار نجاح المفاوضات الجارية بين عدد كبير من مجموعات المعارضة وبين الحكومة السورية في سوتشي أو غيرها من منصات التفاوض، ويقول نيكولاس هيراس من مركز «أبحاث الأمن الأميركي الجديد – سي إن آي اس» الذي يتولى دراسة الأزمة السورية: إن هذه السياسة غير واضحة من ناحية لأنها «لا تريد التنسيق مع دمشق» وهذا ما يعرض الوجود الأميركي للخطر وعدم الاستقرار والنجاح في خطته، وهذا ما أشار إليه بول ماكليري في المجلة الإلكترونية «أتلانتيك» الأميركية حين كشف أن مجموعات من ميليشيا «الجيش الحر» عقدت اتصالات مع السلطات السورية عند منطقة الفرات وهذا قد يشجع وحدات من الأكراد السوريين في المنطقة إلى التقارب مع الجيش السوري فيتحول كل النشاط الذي تقوم به واشنطن إلى طريق مسدود.
يبدو أن الإدارة الأميركية تدرك وجود تناقض بين ما تسعى إليه مع المجموعات الكردية السورية المسلحة وبين ما يسعى إليه أردوغان حين يجند المجموعات السورية المعارضة مثل «الجيش الحر» ضد الوحدات الكردية في عفرين وبعض المناطق الأخرى ويوظفها في خدمة مشروعه باسم محاربة «الأكراد السوريين».
لكن القاسم المشترك بين ما يقوم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الأكراد في شمال سورية وما يقوم به أردوغان مع المجموعات السورية هو أن كلاً منهما يستخدم مجموعات سورية ضد مجموعات كردية سورية وبالعكس، وهذا ما يشكل مدخلاً لخطة تقسيم أميركية تركية لتفتيت تلك المنطقة على الحدود التركية والعراقية.
إن دمشق وحلفاءها على الأرض السورية والمنطقة، تدرك ما سبق من دون أدنى شك، ولذلك يرى ماكليري أن دمشق ستكون قوة الجذب لكل مجموعة سورية أو كردية سورية للتفاهم معها بدلاً من ربط مصيرها بأميركا أو أردوغان.
ويبدو أن هذه النتيجة هي التي سيشهدها بشكل من الأشكال صراع هذه التناقضات الأميركية التركية بين من يدعم جهة ضد الأخرى في شمال شرق سورية لإلحاق الضرر بسورية وانتهاك سيادتها.
لا شك أن الجمهور السوري في شمال سورية لن يجد بعد كل هذه السنوات السبع من حروب الآخرين على الأرض السورية، سوى حل واحد هو العمل على إحباط كل توجه نحو الارتباط بأميركا أو أرودغان، فتجربة العراق لا تزال حية أمام أنظار الجميع سواء مع الموضوع الكردي في شمال العراق أم مع الغزو الأميركي للبلاد، ولذلك يقول بول بيلار من مركز «نيشينال انترست»: إن القوة العسكرية الوحيدة التي تعد غير شرعية في سورية وتنتهك قانون الأمم المتحدة هي الوحدات العسكرية الأميركية والوحدات العسكرية التركية، وكأن الرئيس ترامب كان يقصد عكس ما أعلنه حين قال: إنه سيخفض التدخل العسكري الأميركي المباشر في العالم لأنه لا يقدم مصلحة لأميركا، فها هو الآن يتجه نحو خوض حروب في منطقة الشرق الأوسط لن تقوده إلا إلى طريق مسدود.
وفي النهاية سيجد ترامب أن سورية ستبقى مقبرة لمخططاته.