تأثر بأغنيات فريد الأطرش وتتلمذ على يد زكي ناصيف … نهاد طربيه المطرب المخضرم الذي روى موهبته بالثقافة والموسيقا والكلمة الجميلة
| وائل العدس
على نحو مفاجئ، ودع الوطن العربي واحد من أهم الأصوات الجبلية والطربية هو الفنان اللبناني المعروف نهاد طربيه في العاصمة الفرنسية باريس إثر نوبة قلبية تعرّض لها أول من أمس الجمعة.
وقالت شقيقة الراحل اندريه طربيه في حديث صحفي: «فقدنا أغلى ما لدينا، ودعناه في بيروت قبل سفره إلى باريس، ولم نعلم أنه الوداع الأخير».
وأضافت: «علمنا بالخبر من المواقع الإخبارية، كان الأمر صادماً، سارعت إلى الاتصال بعائلته في باريس، فكان أسوأ خبر تلقيته في حياتي، لم أصدق إذ إنه كان يبدو على ما يرام في لقائنا الأخير ووعدنا أنه سيعود».
تنقل طربيه في آخر سنوات حياته بين لبنان وفرنسا، حيث عاش في باريس أغلبية أوقاته مع عائلته، ليتابع حياته في كنف العائلة حاملاً همومها ومتابعاً للحظات نجاحها، لكنه لم يهمل فنه، فقدم الكثير من الحفلات في أوروبا للجاليات العربية وكان صوته خير سفير للبنان في بلاد الاغتراب.
وخلال العام الماضي وفي أحد اللقاءات قال من فرنسا: «زرت لبنان منذ سنتين تقريباً، ولست مقيماً بشكل دائم، أنا في حركة تنقل دائمة بين لبنان وفرنسا فعائلتي وزوجتي في فرنسا وكل شيء بخير والحمد لله، ولدي أخي في لبنان وجمهور لبنان عزيز على قلبي، وأقدم دائماً أغنيات جديدة للناس كي أبقى حاضراً بينهم».
طربيه متزوج وله ابنة اسمها ياسمين، وكان يعيش في باريس منذ بداية الثمانينيات.
سورية الأهم
اعتاد الفنان الراحل المشاركة في كثير من الحفلات والمهرجانات في سورية، وقد عبّر دوماً عن علاقته الوطيدة بالجمهور السوري، وقال في أحد لقاءاته في لبنان حول إقامته حفلات في الوطن العربي وأوروبا: «الأهم في حياتي أن غنائي في سورية كان كبيراً، حيث كرمتني الدولة السورية بشكل كبير والشعب السوري حفظ أغنياتي وما زال يكررها.
إنه مطرب غلف الليل بالحب، وبلسم جراح الفراق، وحنانه دفعه إلى أن يكون فارساً يغزو العشق في عتمة الليالي، وصوته المثقف موسيقياً أوصله إلى النجومية الأصيلة.
وحد في أغانيه الدول العربية بعد أن غنى بكل اللهجات واستطاع أن يكون بين صفوف الكبار، فاندفع إليه الملحنون الكبار بينهم بليغ حمدي وشاكر الموجي وجورج يزبك وأعطوه سلة من الألحان المميزة.
لقب بصوت الجبل الأشم وهو المطرب المخضرم الذي روى موهبته الطربية بالثقافة والموسيقا والكلمة الجميلة.
طربيه كان صاحب صوت جميل، وعرف بأخلاقه العالية وتعامله الراقي مع زملائه، وهو من مواليد 1950 قرية صوفر، كان والده يعمل مهندساً زراعياً، لكنّه أيضاً كان مؤلفاً وشاعراً، له مؤلفة بعنوان «معلقة الحياة» من أربعمئة بيت شعر، وكتاب بعنوان «أيائل الصحراء». وقد غنّى من كتابة والده الأغنية المعروفة «والله يجمعنا والصبر جميل» و«مال الهوى ومالي» وغيرها.
في بداياته تأثر طربيه بالموسيقار والمطرب السوري الراحل فريد الأطرش، إذ كانت علاقة صداقة تربط بينه وبين عائلة طربيه، من هنا كانت بداية تقليده للراحل ومُنح على هذا الأساس الأوسمة والألقاب لخلافة الصوت الفريد، ما دفعه لأن يتغنى بأغنيات الأطرش ويسجل بعضها.
لكنه فيما بعد كان لا بد أن يجد شخصيته الخاصة ويبحث عما يقدمه بصوته وأدائه بعيداً من التقليد، فغنى أغنية «أنا فلاح وأبويا فلاح» وكانت بعدها «بدنا نتجوز عالعيد»، ثم «يا أميرة يا بنت الأمراء»، و«مشوار الحياة». وسلسلة طويلة من النجاحات «القمر مسافر» و«حبيبي» لبليغ حمدي و«طيب جداً» لشاكر الموجي ومن رياض البندك غنى «بحبك» وغيرها.
الفنان صاحب الـ68 عاماً، لقب بالفنان الرصين والهادئ والراقي، فنهاد الذي ولد ونشأ في بيت فني، أبى إلا أن يصقل موهبته بالدراسة، فدرس في المعهد الموسيقي وتخرج فيه عازفاً للعود.
تتلمذ على يد الراحل زكي ناصيف، وتأثر في أغنياته كما قلنا بمدرسة فريد الأطرش، ومدرسة محمد عبد الوهاب أيضاً الذي قام بتسجيل أغنيتين له وهما «قلبي بيقولي كلام» و«كان أجمل يوم».
اكتسب شهرته الفنية، من أغنيات ناجحة باللهجتين اللبنانية والمصرية، ومنها «بدنا نتجوز عالعيد»، «مشوار الحياة»، «القمر مسافر»، و«لبنان يا حبنا راجعينلك راجعين، راجعينلك كلنا يا أرض الحنين».
كما أنه نجح في تقديم اللون البدوي، من خلال أغنيات «وينا زينة»، و«بعز الليل»، و«تريد تروح وتنسانا»، و«وين الخيل» و«عابوابكم دقيت»، «وردة ليكم»، و«النبي تضحكي».
لكن أغنية «بدنا نتجوز عالعيد» أدخلته قلوب المستمعين، ولا تزال لغاية اليوم تبث في الأعراس.
تنوعت الألوان التي أداها، منها الرومانسي «يا أميرة يا بنت الأمراء»، والسريع «طيب جداً» التي غناها معه مايز البياع.
خلال لقاء مع موقع «الفن» منتصف العام الماضي، سئل طربيه: هل برأيك انتهى الزمن الجميل؟ فأجاب: «لا على العكس هناك أكثرية إعلامية تدعم الزمن الجديد ليست بقيمة الزمن الجميل لكن ما زال هناك فنانون يقدمون الأغنيات والموسيقا الشرقية ليبقى شيء اسمه الزمن الجميل والذين رحلوا من زملائهم رحمهم اللـه ما زال فنهم موجوداً مثل الأستاذ وديع الصافي، الموسيقار الراحل ملحم بركات، سمير يزبك، عازار حبيب، ومحمد جمال أطال اللـه بعمره.
وأبدى تفاؤله بأن الساحة الفنية لن تخلو من الأصالة والكلمة واللحن الحلو، مضيفاً: أضرب مثلاً عن نفسي: «بدّي اتجوز عالعيد»، «أنا فلاح»، « يا أميرة يا بنت الأمرا»، «أنا لبناني»، والمواويل الجميلة التي قدّمناها، ما زالت على مسامع الإعلام والإذاعات، وأشكر الإعلام كثيراً لأنه يهتم بالزمن الجميل وخصوصاً في الفترة الأخيرة، لكنه في الوقت نفسه قال: «الأغنية اليوم في تراجع من حيث الكلمة واللحن وحتى الصوت، لأن الأغاني في معظمها تسجل للاستهلاك والتجارة، والفن يبقى فناً والشمس ستشرق مهما غابت».
وفي لقاء آخر، أشار طربيه إلى أن في برامج المواهب الغنائية أصواتاً أجمل من أصوات لجنة الحكم، وأنا لا أؤيد أن يكون المطرب في هذه اللجان، بل يجب أن تتألف من ملحنين وشعراء وإعلاميين وموسيقيين ومطرب واحد إذا لزم الأمر، أي أن تكون اللجان من أساتذة كبار.
رثاء الكتروني
حرص عدد من الفنانين على نعي الراحل، عبر حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا أهم ما كتب:
– شكران مرتجى: «نهاد طربيه مطرب كبير من زمن ماض يعرفه كثيرون، غاب عن الساحة غياب الكبار في زمن الازدحام، واليوم غاب عن دنيانا، خبر حزين لفتاة كانوا هؤلاء فرسان زمانها وسبباً رئيسياً لعشق الفن، رحمه اللـه كل التعازي لجيلي ومحبيه وعائلته».
– إليسا: «من المحزن جداً أن نسمع أننا فقدنا فناناً رائعاً في العالم العربي.. نهاد طربيه ارقد بسلام.. التراث الخاص بك سيكون دائماً فريداً من نوعه».
– راغب علامة: «رحم اللـه الفنان الكبير نهاد طربيه.. بكير بعد أن تغادر إلى الحياة الآخرة.. سنفتقد فنك الجميل وشخصك الطيب المحب للفن والأصحاب، وسنفتقد روحك الحلوة وخفة دمك التي تجعل الضحكة على شفاهنا كل ما جلسنا معك، حتى قصصك المهضومة ستبقى في قلوبنا.. اللـه يرحمك.. اللـه معك يا طيب».
– رامي عياش: «بأسف وحزن كبير تلقيت خبر رحيل العملاق نهاد طربيه.. خسارة كبيرة للفن بلبنان والوطن العربي، اللـه يرحمك تعازينا الحارة لعائلة الأستاذ نهاد».
– مي حريري: «نهاد طربيه لن نقول لك وداعاً، فأنت خالد في قلوبنا وباق بفنك الرائع وأخلاقك العالية، اللـه يرحمك ويجعل مثواك الجنة».
– زين العمر: «رحل بصمت مطرب الجبل الأشم، حزني كبير على رحيل هذا العملاق الكبير الذي علّم أجيالاً من الفنانين على المحبة والتواضع والأخلاق، عاش كبيراً ورحل بصمتٍ كبير، رحمك اللـه أيها الكبير من لبنان وداعاً أيها الأمير».