قضايا وآراء

الهلال الخصيب قلب الشرق الأوسط

| أنس وهيب الكردي

من النافل قوله إن المنطقة الشرق أوسطية لا قيامة لها من دون أضلاعها الجيوسياسية، لكن لا بد أن تكون هذه الأضلاع في حالة تعاون أو أنها ستنجرف في مهالك التحالفات مع القوى الكبرى في العالم، بما يحولها إلى أداة للصراعات الدولية الطاحنة.
يتكون الشرق الأوسط من العناصر الجيوسياسية التالية: هضبة نجد، وادي النيل، بلاد الرافدين «وامتداداً الهلال الخصيب»، الهضبة الأناضولية، وأخيراً، الهضبة الفارسية، وطالما كانت هذه المراكز في عملية تفاعل وتناغم فيما بينها كان بإمكان الشرق الأوسط، أن يستريح من وطأة التدخلات الخارجية، إلا أن الهلال الخصيب نادراً ما يسمح لعملية التفاعل والتناغم بين بقية العناصر الجيوسياسية الشرق أوسطية، أن تستمر طويلاً. بحكم الطبيعة الجيوسياسية الخاصة التي تحكم الشرق الأوسط، لطالما جنحت مراكز القوى الإقليمية إلى الصراع لتحقيق السيطرة على هذا الهلال الخصيب المتكون من بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام، واصطدمت القوتان الحثية والفرعونية في بلاد الشام، واتفقتا في القرن الثالث عشر قبل الميلاد على خط تقسيم فيما بينهما يمر من بلدة قادش بريف حمص.
الصراع الدولي الأعمق كان ما بين الإمبراطوريتين الساسانية، المتوضعة في هضبة فارس، والرومانية التي مركزها هضبة الأناضول، على مصير سورية والعراق، واستمر هذا الصراع لقرون قبل أن ينتهي بعد توسع القوة النجدية خارج حدودها خلال الحروب التي خاضها العرب المسلمون.
ظهر هذا الصراع بحلة جديدة في التاريخ الحديث مع بروز الصفويين، في الهضبة الفارسية، والعثمانيين، في الهضبة الأناضولية، وتنافست الإمبراطوريتان الإسلاميتان بشدة للسيطرة على الهلال الخصيب، الذي خضع خلال فترة طويلة من عمره الحديث، لسيطرة السلطنة العثمانية.
في القرن التاسع عشر تصارع المصريون مع النجديين بقيادة آل سعود وآل محمد، خوفاً من تمدد هؤلاء إلى الهلال الخصيب، ومنتصف القرن الماضي، دخلت أغلبية المراكز الجيوسياسية الشرق أوسطية في صراع على سورية مماثل إلى حد ما للصراع الراهن. حتى عندما توافرت الفرصة للهلال الخصيب كي يجترح تعاوناً فيما بين عناصره الجيوسياسية، كانت الصراعات الداخلية تنهشه على الدوام، ولعل أقدمها على الإطلاق الصراع ما بين الآشوريين، الذين سيطروا على أراضي واسعة من بلاد الرافدين، تماثل العراق تقريباً، والآراميين، الذين أسسوا ممالك قوية في مناطق مختلفة من بلاد الشام الداخلية، وانتهى الصراع بانتصار الآشوريين عسكرياً وسيادة الآرامية كلغة تخاطب وإدارة عليا، وفي العصر الحديث تفجر الصراع ما بين سورية والعراق ما بين العامين 1978 و1998.
إذاً هكذا تدور المعادلة الشرق أوسطية، تدخل العناصر الجيوسياسية للهلال الخصيب في صراعات فيما بينها بما يجعل المنطقة أكثر هشاشة أمام التدخل من قبل العناصر الجيوسياسية الأكبر في الشرق الأوسط، أما تصارع هذه العناصر فمن شأنه أن يشكل الأرضية لتدخل القوى الكبرى في المنظومة الجيوسياسية الدولية.
لا تنفرد منطقة الشرق الأوسط بهذه المعادلة، ففي مختلف المناطق من العالم تتكرر هذه المعادلة بشكل أو بآخر، ولكن ما يميز المنطقة هو عدم تبلور نظام للأمن الجماعي أو حتى منظومة قيمية تحكم العلاقات وقواعد السلوك ما بين دولها. في القرن الماضي، انتهى النظام وانعدمت المنظومة عندما اختارت مصر الابتعاد، ومع تردي قوتها تزايدت التدخلات من العناصر الجيوسياسية الأخرى الموجودة بالشرق الأوسط، في شؤون الهلال الخصيب، وازدادت خلخلة التوازنات الإقليمية عقب تحول العراق في مطلع القرن الحالي، إلى ساحة بعد أن كان لاعباً بين اللاعبين، والآن، وبينما لا تزال الأزمة السورية مستعرة، تعمقت الفوضى ولم يعد من أمل للشرق الأوسط سوى بنظام أمن جماعي أو على الأقل نظام لتوازن القوى، ومنظومة قيم تحدد المشتركات، وإلا لن يخرج الهلال الخصيب من براثن الفوضى التي قد تبتلع الشرق الأوسط بمجمله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن