قضايا وآراء

سوتشي.. خلط الأوراق

| مازن بلال

ظهر هامش جديد ضمن الأزمة السورية منذ أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مؤتمر سوتشي، فلم يعد الحدث السياسي مرتبطاً بالرهان على بعض مكونات الأزمة السورية إنما اتجه نحو بعض الدول الإقليمية، وعلى الأخص تركيا التي بدت نقطة الارتكاز لتحقيق مؤتمر الحوار، فعمق النظرة الدولية إلى الحدث كان يرتبط بتوعية الترتيب الإقليمي المرافق له، أكثر من «الحوار» أو قدرة روسيا على إنجاز مسار سياسي جديد.
بالتأكيد فإن ما سيحدث سيشكل حالة غير مسبوقة للمكون الداخلي السوري، فمنذ «المؤتمر التشاوري للحوار» الذي انعقد بدمشق 2011 لم تلتق الأطراف السورية، إنما ظهرت آلية التفاوض عبر «ممثلين»، وبغض النظر عن هذه «المواجهة» التي ستحدث، فإن المسألة الأكثر أهمية ستظهر من خلال الوضع الإقليمي وذلك ضمن اتجاهين:
– الأول هو نوعية الرعاية السياسية لمؤتمر سوتشي، فهذه الرعاية هي تحديد سياسي لأدوار دولتين إقليميتين هما تركيا وإيران، والاعتماد عليهما يشكل محور الاهتمام الروسي في طبيعة النظام الإقليمي القادم.
رغم النظر إلى الموقف التركي بأنه بعيد نوعا ما عن إيقاع ما تريده روسيا، لكن الواضح أن كل السيناريوهات التركية على الأقل في هذه المرحلة، تصب ضمن توجه روسي، وما يحدث في عفرين يقدم صورة عن طبيعة عمل أنقرة عموما، فالكرملين يعرف تماما أن تطويق الدور التركي في سورية صعب ولا يمكن أن يظهر عبر المواقف السياسية، ولكن خيارات الرئيس التركي تبدو محدودة ومحصورة في حدوده مع سورية التي لا يريدها نقطة توتر تجاهه، أو أن تصبح مشروعا سياسيا قوياً للأكراد، وخلال الأسابيع التي سبقت سوتشي اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مربكة، أدت لتصعيد عسكري باتجاه مدينة عفرين، ولكن مواقف واشنطن أحرجت أنقرة ودفعتها أكثر للبحث عن سيناريو يدخلها بتعاون أعمق مع روسيا.
– الاتجاه الثاني يرتبط بالرعاية الدولية للأزمة السورية، فرغم أن سوتشي لا يريد الخروج عن العملية السياسية في جنيف ولكن يضع قاعدة أساسية بشأن القوة القادرة على التأثير في سورية أو حتى في شرقي المتوسط عموما.
رسالة سوتشي تبدو واضحة بشأن «مجموعة العمل بشأن سورية» التي ظهرت منذ «جنيف1»، فهناك تطورات وفق التصور الروسي لإعادة النظر بالدول التي كانت تعمل تحت غطاء هذه المجموعة، ولم يعد بالإمكان النظر إلى الأزمة السورية من خلال قدرة بعض العواصم الإقليمية والدولية في التأثير في القرارات الخاصة بالعملية السياسية، وإذا كانت روسيا تريد تقديم نموذج عبر سوتشي فهو بالدرجة الأولى موجه إلى آلية عمل الأمم المتحدة التي تريد رعاية توازن إقليمي هش ضمن المسار السياسي لحل الأزمة.
هناك توازن إقليمي مختلف تريد موسكو إظهاره من جديد، وهو بالتأكيد يحمل الكثير من التناقضات على الأخص ضمن الجانب التركي، أو حتى ضمن علاقة أنقرة المتوترة إقليميا مع السعودية تحديدا، لكنه في النهاية توازن يتم «صناعته» بشكل تدريجي، ويتشكل عبره اختراقات ولو ضيقة ضمن مساحة الأزمة السورية، ففي سوتشي لن نكون أمام اختبار للحوار السوري بل إيجاد شروط إقليمية له، وهو أمر بقي غائبا طوال سنوات الأزمة لأن مهمة الأمم المتحدة كانت البحث عن شروط التفاوض بمعادلة إقليمية مهتزة، وربما لم تخرج روسيا من صيغة «الاهتزاز» عبر اعتمادها على اللقاء في سوتشي، لكنها تنطلق به من نقطة مختلفة واعتمادا على الكتلتين، تركيا وإيران، الأكبر والأكثر قدرة على التأثير.
الأزمة السوري في سوتشي لن تكون أمام مفاصل جديدة للحل، لكنها ستدخل مرحلة البحث عن تثبيت شروط إقليمية أكثر واقعية من المراحل السابقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن