الأولى

كلمة للسوريين

| وضاح عبد ربه

تغادر اليوم طلائع الوفود السورية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني إلى سوتشي، وسط ازدحام تصريحات ومواقف ومبادرات هدفها إسكات صوت السوريين وفرض وصاية أممية عليهم وصياغة دستورهم ومستقبلهم وتقرير مصيرهم! وهناك ما يشبه الاستنفار عند المحور المعادي لسورية، ليس فقط لإفشال مؤتمر الحوار في سوتشي، بل أيضاً لإفشال كل حل سياسي يمكن أن ينتج عن أي حوار بين السوريين، والعودة إلى الخيارات العسكرية التي كانت ولا تزال تدعمها واشنطن مباشرة أو من خلال «الدول» التي تضع نفسها تحت تصرف الولايات المتحدة الأميركية، ويعد قادتها «موظفين» لدى الخارجية الأميركية مثل مملكة بني سعود والأردن الهاشمي!
الواضح أن واشنطن تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حسمت خياراتها بالنسبة لسورية وللمنطقة عموماً، فالحرب يجب ألا تنتهي، والحل يجب ألا يأتي، وعلى السوريين أن يدفعوا مزيداً من الدماء والحصار، ليس لأنهم سوريون فقط، بل لأنهم جزء لا يتجزأ من محور المقاومة جغرافياً وانتماءً وعقيدة، وكل هذه السنوات من الحرب لم تركعهم بعد أو تغيرهم، لا بل زادتهم إصراراً وتصميماً وقوة في مواجهة التيار «الاستسلامي» و«التطبيعي» مع العدو.
اليوم هناك فرصة أمام السوريين ليقولوا كلمتهم، وهذه الفرصة تتمثل في سوتشي وفِي روسيا تحديداً، إحدى الدول القليلة في العالم التي لا تزال تحترم سيادة الشعوب والقانون الدولي وتدافع عنه بكل صلابة وقناعة، وتدفع دماء من أجل استقلال الدول ومحاربة إرهاب تستثمره الولايات المتحدة الأميركية ومن تحت إمرتها، من أجل تحقيق طموحاتها في المنطقة وأهمها: تدمير الدول لحماية إسرائيل وتحصينها.
كل ما جرى الأسبوع الماضي من اجتماعات في باريس وفيينا، ومن مهاترات حول ملف الكيميائي، كان هدفه ممارسة مزيد من الضغوطات لإسكات صوت السوريين والتشويش على حوارهم الوطني، وتزامن ذلك مع معلومات كشفها مركز المصالحة في حميميم عن تحرك لمجموعات إرهابية دربتهم ومولتهم واشنطن، انطلاقاً من منطقة التنف في المثلث مع الأردن والعراق، للهجوم على الجيش العربي السوري الذي كان لهم بالمرصاد، فأخفقت هجماتهم، وردهم قتلى وجرحى إلى قاعدتهم الأميركية.
تشير المعلومات والمصادر اليوم إلى أن هدف الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة لسورية لم يعد بصيغة «إسقاط النظام» كما كان في السنوات السبع الماضية، بل تحول إلى رغبة، أو وهم، لفرض وصاية دولية وأممية على سورية والسوريين، من خلال فرض دستور جديد، وتقسيم البلاد إلى كانتونات وتحديد هوية «حكام المناطق»، عبر معركة سياسية دولية، قد تكون طاحنة، مع روسيا والصين والدول الداعمة لسورية، ومن خلال إبقاء القوات الأميركية في سورية وتمويلها وتدريبها لعشرات الآلاف، على زعمهم، من المرتزقة في شرق الفرات ومنطقة التنف، وإبقاء حالة الحرب قائمة، وهذا ما كشف عنه جهاراً وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، وما تضمنته «اللا ورقة» التي تم تسريبها خلال اجتماعات فيينا الأخيرة.
إذاً، أمامنا نحن السوريين فرصة في سوتشي، فرصة لنقول كلمتنا ولنُعبّر عن تطلعاتنا، ولنثبت للعالم أننا لسنا من يقبل بفرض الحلول علينا.
فرصة لنؤكد أننا متمسكون بكل شبر من الأراضي السورية، وأننا جميعاً نقف خلف جيشنا وقواتنا المسلحة، لدحر الإرهاب ودحر المحتلين أينما وجدوا على الأراضي السورية، ونقرر مستقبلنا ومصيرنا من خلال دستور تتم صياغته في دمشق وبأياد سورية وتحت سقف القانون السوري والدستور القائم، وليس تحت وصاية الأمم المتحدة، وقطعاً ليس من الولايات المتحدة الأميركية والدول التابعة لها.
الحوار في سوتشي يجب أن يكون البوصلة لكل السوريين المتمثلين فيه، ويجب أن يتبعه «سوتشي2» و3 وحتى ربما سوتشي10 لنصل إلى اتفاق يتم تتويجه في جنيف. إن مؤتمر سوتشي الذي يشارك فيه مختلف فئات الشعب، هو الترجمة الحقيقية لأي حل سياسي يجب أن يناقشه السوريون بعضهم مع بعض، لا أن يناقشه السعوديون أو الأردنيون أو الفرنسيون والبريطانيون والأميركيون نيابة عنا.
هو فرصة يجب أن نستغلها ونقطع الطريق أمام مشروعات التقسيم والوصاية، ونحدد مستقبلنا وندعم جيشنا حتى سحق آخر إرهابي في سورية وإخراج كل القوات المحتلة، حتى لو كلّف ذلك ما كلف من التضحيات ومن الوقت.
والذين قاطعوا سوتشي، من أفراد و«هيئات»، يثبتون مجدداً أنهم ليسوا بسوريين ولا ينتمون إلى سورية، ومكانهم الطبيعي عند أسيادهم خارج حدود الوطن، فالحل في سورية يصنع من أبنائه المخلصين والمنتمين الذين ينطلقون من تاريخهم العريق وهويتهم التي يعتزون بها لبناء سورية المستقبل، تلك التي سنورثها للأجيال القادمة بحيث تبقى سورية سيدة مستقلة كما كانت على مر العصور دون أي تدخل أجنبي ودون وصاية من أحد، وهذه فلسفة مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، وهي فرصة يجب أن يعلو خلالها صوت السوريين لتصل رسالتهم إلى كل العالم، رسالة بسيطة وواضحة: نحن من يحدد مستقبلنا ويرسم ملامح سورية المستقبل وليس أحد سوانا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن