الـ1600 سوري
| زياد حيدر
لا أعمل في التغطية الصحفية الإخبارية حالياً، ولكنني لو كنت أفعل، لتمنيت أن أعاين مؤتمر سوتشي، عن قرب، من داخل أروقته لا من خارجها.
ليس لأنني من الذين يشككون في قدراته، أو العكس، وإنما باعتباره حدثاً تاريخياً من حيث الإعداد والتنظيم، ولا سيما في سياق تاريخ سورية والمنطقة المعاصر، دون التوقف عند توقعات البعض الكبيرة المعقودة عليه، وتراوحها بين التفاؤل والتشاؤم.
فمنذ أيام أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن عدد السوريين المدعويين إلى سوتشي، هو 1600 شخص، ويفترض أن يرجح المرء بأن هذا الرقم الذي يبدو هائلاً لمؤتمر يستمر يومين، يشمل جميع الفئات، وفوداً ومشاركين، دون الإشارة طبعاً للمنظمين والمراقبين، والرعاة الدوليين للتنظيمات والمنظمات والميليشيات الكثيرة التي باتت تصول وتجول في الأرض السورية.
1600 سوري، لم يسبق أن اجتمعوا في مكان لغاية مثل هذه الغاية، انطلاقتها الحوار، وخاتمتها الاتفاق أو الفراق.
فراق، محتوم باللقاء، طال الزمن أو قصر، امتد لمؤتمرات أخرى أو لا. الـ1600 سوري الحاضرين يعرف بعضهم بعضاً جيداً. بعضهم جيران، وبعضهم الآخر معارف، والبعض الآخر تتقاطع حياته مع حياة غيره بحكم الجغرافيا والتاريخ والمجتمع، كما الكيان السياسي الجامع وهو الدولة.
لكن ما يعرفه الـ1600 جيداً أيضاً عن بعض، هو هذه الحرب الملعونة، من لحظتها الأولى، حتى لحظتها الأخيرة، عسانا نرى تلك اللحظة يوماً قريباً.
يعرف هؤلاء عن بعضٍ الكثير. يعرفون جميعاً أنه ما من خاسر وما من رابح في حرب سقف خيمتها سماء واحدة. بل يعرفون جميعاً، أن الكل خسر، قليلاً أو كثيراً، وما من أحد لم تطله آثار هذه الحرب، من المستويات الصغرى وحتى الكبرى.
عسى تجمع هذه الخسارة الـ1600 مشارك، على القول إن اللحظة التاريخية التي تجمعهم، تحتم عليهم النظر للأمام لا للوراء.
ورغم أن النظر للوراء ضروري، لتفادي مستقبلاً نكبات مماثلة، إلا أنه كما جرى في حروب شبيهة، يستلزمنا بعض الوقت، لكي تذهب الحمى العاطفية، وهي لدى الجميع، بما يسمح برؤية مستقبل جامع.
يبقى السؤال إن كان الـ1600 مؤمنين جميعاً بالأمة السورية، بوحدة البلاد ووحدة مصيرها، بسيادتها، وتميز الشخصية السورية، وعلمانيتها التاريخية.
أتمنى كصحفي من زملائي الحضور أن يسألوا هناك المنظمين والمشاركين معاً: «من يمثل من هنا؟ هل الـ1600 شرائح مجتمعية، طبقية، ثقافية، إثنية، طائفية، عشائرية؟ هل تعدادها مبني على حسابات ديمغرافية، اجتماعية، جغرافية، أم سياسية اقتصادية؟»
هل تم اختيارها وفقاً لتقسيمات الحرب الميدانية، أم وفقاً لفهم الديمغرافيا السورية، والتركيبة البشرية التي تسود سورية منذ آلاف السنين؟
أرغب كما غيري أن أعرف؟
أرغب في أن أطمئن، إلى أنه على الرغم مما أصابنا فإننا قادرون على صنع ما هو أفضل لأولادنا وأحفادنا، بشكل يسمح لهم ولهم وحدهم، تحديد أخطائنا ومعالجتها.
كنت تمنيت أيضاً، أن يحضر شبان، ختموا دراساتهم الثانوية مع هذه الحرب، وأن يكون لهؤلاء قول وتأثير ووجهة نظر.
فربما يتمكن الكبار من صنع سلام، أو تسوية هذا العام أو الذي يليه.. ربما، لكن صنع السلام الدائم والازدهار يكون عبر من وقع على كاهلهم أكل الحصرم في السنوات السبع التي مضت.