ظلال سياسة ترامب القاتمة تلقي بنفسها على الاقتصاد العالمي في دافوس
| قحطان السيوفي
ظلال السياسة تخيم على الاقتصاد العالمي، وهذا الأخير يستمر بحراكه رغم فرامل السياسة، بالمقابل ترى مراكز البحث أن العالم يُظهر في بداية عام 2018 تباعداً بين سياسته الكئيبة واقتصاداته التي تبدي تحسنا بطيئا، فهل سيستمر هذا التباعد إلى أجل غير مسمى؟ أم سيطغى أحد أطرافه على الطرف الآخر؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل ستعمل السياسة الهوجاء السيئة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إفساد الاقتصاد؟
واشنطن كانت تعتبر نفسها مركز النظام الاقتصادي العالمي منذ أكثر من 70 عاما، لكن الغيوم السياسية في ظل إدارة ترامب المضطربة تلقي بظلالها القاتمة على الاقتصاد لأن هذه الإدارة ترى أن أي تحسن في الاقتصاد العالمي يمثل مؤامرة تحاك ضد أميركا.
على مدى العقد الماضي، تعرض الاقتصاد العالمي لصدمات: الأزمة المالية في 2007، وأزمة منطقة اليورو في 2010، وعملت الأزمة وتداعياتها على الإضرار بالثقة في النخب، ما فتح المجال أمام الديماغوجيين الذين أخذوا يقدمون وعودا بطرح حلول بسيطة لمشاكل معقدة، وحصل ذلك في «خروج بريطانيا من أوروبا»، وحصل ذلك أيضاً في الولايات المتحدة، حيث انتخب ترامب رئيساً ولا تزال آثار انتخابه غامضة تقريباً كما كانت يوم تنصيبه، وسياسة ترامب الحمقاء هي، إلى حد كبير للغاية، أعمق مصدر للشعور بالقلق العالمي اليوم مع بعض الضجيج الفارغ الذي لا معنى له.
يقف ترامب في الملتقى الاقتصادي العالمي في دافوس 2018 ليدافع عن الحمائية ويقول: إنه مع التجارة الثنائية المنصفة، والإنصاف في رأيه يعني تجسيدا لشعاره العنصري مصلحة أميركا أولاً، وإظهار لحقيقة الهيمنة الاقتصادية الأميركية على العالم، ويدق طبول الحرب داعيا الدول التابعة أي الحليفة، لزيادة ميزانيات الإنفاق العسكري بحجة محاربة الدول المارقة، والهدف أن يبيع المزيد من السلاح ليشفط أموال مشيخات ومملكات دول الخليج، وبالمقابل يستخدم العقوبات الاقتصادية والمالية ضد روسيا وإيران وسورية لأغراض سياسية، كما يقرر قطع المعونات المالية عن مؤسسة غوث اللاجئين الفلسطينيين لإرغام السلطة الفلسطينية على الاستسلام للكيان الصهيوني.
المشهد يشير إلى أن المخاطر المالية كبيرة في كثير من البلدان الغربية، ومستويات الديون مرتفعة بشكل عام بحسب المقاييس التاريخية، وبالمستوى نفسه من الأهمية، سياسيا واقتصاديا، لا يزال النمو في البلدان الغربية ضعيفا ومتعثرا، فأسواق العمل تولد نموا لا يكاد يذكر في الأجور والدخل.
نسب التوظيف منخفضة حتى في الولايات المتحدة، وإجمالي الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلدان الغربية الآن أقل، وربما تكون الآثار السياسية المترتبة على حالة الركود أكثر أهمية بكثير، وقد عملت إدارة ترامب لإجراء تخفيضات في ضرائب الشركات بحجة تحقيق طفرة في النمو، وهذا احتمال بعيد للغاية كما يؤكد مارتن وولف في «الفاينانشال تايمز» في 16 كانون الثاني الجاري، والاحتمال الأكبر هو حصول ارتفاع في التضخم، وفي أسعار الفائدة، وطفرة هائلة في العجز في الحساب الجاري.
في الوقت نفسه، تعمل إدارة ترامب المهووسة بشعارات الحمائية وأميركا أولاً، من أجل الحد من العجز الخارجي بالمفاوضات التجارية الثنائية التي قد تؤدي إلى التفكك التراكمي للنظام التجاري العالمي.
إن ترامب، شخص متشدد ذو أجندة شعبوية، لا علاقة له بطريقة تواصل صناع السياسة مع الجمهور، وغير مُلتزم بأعراف المؤسسات الديمقراطية، يهدد بتحطيم تماسك الغرب، وفي الوقت نفسه يظهر عدم التعاون مع دول القطبية الثنائية الصين وروسيا رغم المخاطر المترتبة على الصراع السافر بين هاتين القوتين في أكثر من مكان في العالم والتي باتت حقيقية ومرشحة للتصعيد سياسياً واقتصادياً مع الإشارة إلى دعم الإدارة الأميركية للإرهاب العالمي بشكل مباشر وغير مباشر، والسؤال كيف ستكون اتجاهات المسار السياسي والاقتصادي العالمي في ظل المخاطر والصعوبات الكبيرة؟
الاقتصاد العالمي يشهد تباطوأً حاداً ومن أسبابه، الأزمات المالية وحالات التضخم المفاجئة والحروب، والحرب هي أكبر خطر سياسي يهدد الاقتصاد ويذكرنا ذلك بالصدمات النفطية التي حصلت في عام 1973 إثر حرب تشرين التحريرية، كما تلعب السياسة الاقتصادية والسياسة أيضاً الدور الأكبر في حدوث التضخم.
تعمل سياسة إدارة ترامب على تحفيز السياسة الحمائية والتحرير المالي غير المسؤول عموما، والمخاطر المترتبة عن هذه السياسة في تزايد.
كما تعمل السياسة أيضاً على تشكيل السياسات الحكومية الأطول أجلا التي تحدد أداء الاقتصادات، ورغم الوضع السيئ للسياسة في كثير من البلدان فإن التعافي الاقتصادي البطيء ربما يساعد على استعادة الثقة بالنخب السياسية والاقتصادية، وربما يجعل السياسة أقل عدوانية وأكثر ميلا إلى التوافق في الآراء، وقد يؤدي نسبياً للابتعاد عن شواطئ الشعبوية الجامحة التي يتزعمها ترامب.
الاقتصاد لا يمكن أن يعمل وحده بعيداً عن السياسة، ويمكن للاقتصاد، في أحوال عادية، أن يساعد في معالجة أمراض السياسة، لكن السياسة العنصرية غير المتوازنة والهوجاء لإدارة ترامب التي حاول عبثاً، تزيين صورتها في الملتقى الاقتصادي العالمي الحالي في دافوس 2018 ألقت بظلالها القاتمة على الاقتصاد العالمي.